أحد أمرين: الموت أو جعل اللَّه لهن سبيلًا. وقد وجد أحد الأمرين وهو جعل اللَّه لهن السبيل، وقد تقرر عند الأصوليين أن الغاية من المخصصات المتصلة، فالكف عن الصيام عند مجيء الليل مثلًا المدلول عليه بقوله تعالى:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}[البقرة/ ١٨٧] ليس ناسخًا لصوم النهار، بل الصوم مغيًّا بغاية هي النهار ينتهى بانتهائها.
وإذ بان لك مما ذى نا أولًا أن الأخف ينسخ بما هو أثقل منه كما عليه جمهور العلماء، ظهر أن حكمة النسخ ليست هي التخفيف.
وقد أورد بعض العلماء على ما ذكرنا من جواز نسخ الأخف بالأثقل إشكالًا قويًّا، وهو أن اللَّه جل وعلا يقول:{مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}[البقرة/ ١٠٦].
قال: فإن كان الأثقل خيرًا لكثرة الأجر فيه امتنع نسخ الأثقل بالأخف؛ لأنه ليس خيرًا منه ولا مثله، مع أنه جائز وواقع، كنسخ قوله:{اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}[آل عمران/ ١٠٢] بقوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغابن/ ١٦]، ونسخ قوله:{وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ}[البقرة/ ٢٨٤] بقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة/ ٢٨٦]، وكنسخ الاعتداد بحول بأربعة أشهر وعشرًا. والناسخ في الجميع أخف من المنسوخ.
وإن كان الأخف خيرًا لسهولته، امتنع نسخه بالأثقل؛ لأنه ليس خيرًا منه ولا مثله، مع أنه جائز واقع كما قدمنا.
قال مقيد هذه الرحلة عفا اللَّه عنه: لم نر من العلماء من شفى