للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حكمته، والأخذ بالخطاب الجديد المشتمل على الحكمة الآن، فالمنسوخ وقت العمل به كانت فيه الحكمة والمصلحة، والناسخ هو المشتمل على الحكمة والمصلحة وقت النسخ، كما قال جل وعلا: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ} [النحل/ ١٠١]، وكما قال تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة/ ١٠٦].

فإن قيل: يزول بهذا التحقيق الإشكال في قوله: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} لكن يبقى الإشكال في قوله {أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة/ ١٠٦]. ووجهه أن الأمر الجديد الذي هو الناسخ إذا كان مماثلًا للأول الذي هو المنسوخ، فأيُّ حكمة في نسخ المثل ليبدل منه مثله.

فالجواب: أن الناسخ -وإن كان مثل المنسوخ في حدّ ذاته- لابد أن يكون مستلزمًا لحكمةٍ خارجة عن ذاته، فيكون باعتبار ذاته مماثلًا للمنسوخ، وباعتبار الحكمة اللازمة لذاته الخارجة عنها فيه فائدة ليست في المنسوخ، فيكون مماثلًا للمنسوخ من جهة؛ وخيرًا منه من جهةٍ أخرى.

وإيضاحه بمثاله: أنهم مثلوا لقوله: {أَوْ مِثْلِهَا} بنسخ استقبال بيت المقدس باستقبال بيت اللَّه الحرام، وهما جهتان كلتاهما تماثل الأخرى، ولا فرق بينهما في حد ذاتيهما، إلا أن الناسخ الذي هو استقبال بيت اللَّه الحرام يستلزم حكمة بالغة، وهي دفع حجة اليهود وحجة المشركين على النبي صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم.

فاليهود يحتجون عليه بقولهم: "تعيب ديننا وتصلي لقبلتنا"، ويحتجون أيضًا بأن عندهم في كتابهم أنه صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم

<<  <   >  >>