للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بأنه الناطق تميز عن غيره عندهم. والنطق عندهم القوة المفكرة التي يقتدر بها على إدراك العلوم والآراء، لا نفس الكلام.

فلو اعترض عليهم بإمكان تعريفه، بكونه ضاحكًا أو كاتبًا؛ لأن الضحك والكتابة خاصتان من خواصه، فجوابهم أنهم يقولون: الضحك حالة تعرض عند التعجب من أمر بعد أن تتفكر فيه القوة الناطقة، والكتابة نقوش على هيئات معينة لا توجد إلا بتفكير القوة الناطقة، فالضحك والكتابة فرعان عن النطق، فانحصر عندهم موجب التعريف بالأصالة في النطق.

والصفة النفسية عندهم جزء من الماهية، ولا تكون أبدًا إلا جنسًا أو فصلًا؛ لأن جزء الماهية عندهم إما مساو لها في الماصدق، أو أعم منها، فإن كان مساويًا لها فهو الفصل، كـ "الناطق" بالنسبة للإنسان. فإن الناطق والإنسان متساويان ماصدقًا، والناطق جزء من ماهية الإنسان؛ لأنها مركبة عندهم من حيوان وناطق، وإن كان أعم منها فهو الجنس، كالحيوان بالنسبة للإنسان، لأن الحيوان أعم من الإنسان، وهو جزء من ماهية الإنسان المركب من حيوان وناطق عندهم، فالأعم جزء من ذات الأخص، والأخص فرد من أفراد الأعم، وجزؤها المساويها عندهم مقوم لها، مقسم لجزئها الذي هو أعم منها.

فالفصل عندهم مقوِّم للنوع، مقسم للجنس، فالنوع مثلًا: هو الإنسان، والجنس مثلًا: هو الحيوان، والفصل مثلًا: هو الناطق، فالناطق مقوم للإنسان بمعنى أن حقيقة الإنسانية لا تتقوم إلا بالنطق، لأنه صفتها النفسية التي لا تعقل بدونها عندهم كما تقدم. فالإنسانية

<<  <   >  >>