فنقول: هذه الملازمة التي ظنوا بين اتصافه بما ذكر من الاستواء على العرش واليد وغيرهما من صفات الكمال، وبين مشابهة الخلق ملازمةٌ باطلة، والربط بين الأمرين منفك، بل هو تعالى مستو على عرشه، كما قال:{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}[المائدة/ ٦٤]، فهو كما قال من غير تكييفٍ ولا مشابهةٍ للحوادث، فجعلهم مشابهة الحوادث لازمة للاستواء واليد مثلًا جَعْلٌ باطل، بل لا ملازمة بين الأمرين البتة، كما أقروا بنظيره في السمع والبصر وغيرهما من الصفات المارِّ ذكرها، فإذا كان جل وعلا متصفًا بالسمع والبصر مثلًا، والحادث متصف بهما ولم يلزم من ذلك مشابهته للحادث، فكذلك لا يلزم من استوائه على عرشه وكون يديه مبسوطتين ينفق كيف يشاء مشابهةُ الحوادث، كما هو ظاهر مما كتبنا.
فقول النافي بعض الصفات مثلًا:"لو كان مستويًا على عرشه، لشابه الحوادث" قضيةٌ من النوع المعروف بالسفسطة، والأقيسة السوفسطائية كلها كاذبة في نفس الأمر، وأعظم الآفات التي منع العلماء بسببها النظر في علم الكلام والمنطق مثل هذا، أن يظن المستدل لزوم أمر لأمر فينتج بتلك الملازمة أمورًا منافية لما جاء به الرسول صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم، لكون اللزوم الذي ظهر له ليس واقعًا في نفس الأمر، فيضل سعيه، وهو يحسب أنه يحسن صنعًا.
ولا شك أن الطريق المأمونة هي طريق الكتاب والسنة لا سيما في صفاته جل وعلا التي لا سبيل للعقول إلى إدراك حقائقها {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ