للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحُكيْم بن جبلة من أهل البصرة (١)


(١) حُكيم بن جبلة العبدي من قبائل عبد القيس، أصلهم من عُمان وسواحل الخليج الفارسي، وتوطن بالبصرة بعد تمصيرها. وكان حكيم هذا شابا جريئا، وكانت الجيوش الإسلامية التي تزحف نحو الشرق لنشر الدعوة والفتوح تصدر عن البصرة والكوفة، فكان حكيم بن جبلة يرافق هذه الجيوش، ويجازف في بعض حملات الخطر، كما تفعل كتائب (الكوماندوس) في هذا العصر. وقد استعملته جيوش أمير المؤمنين عثمان في إحدى هذه المهمات عند محاولتها استكشاف الهند كما نوهتُ بذلك في مقالة (طلائع الإسلام في الهند) . ويؤكد شيوخ سيف بن عمر التميمي (وهو أعرف المؤرخين بتاريخ العراق) على ما نقله عنه الطبري (٥: ٩٠) أن حكيم بن جبلة كان إذا قفلت الجيوش خنس عنهم فسعى في أرض فارس فيغير على أهل الذمة ويتنكر لهم ويفسد في الأرض ويصيب ما شاء ثم يرجع. فشكاه أهل الذمة وأهل القبلة إلى عثمان، فكتب عثمان إلى عبد الله بن عامر أن احبسه ومن كان مثله فلا يخرجن من البصرة حتى تأنسوا منه رشدا، فحبسه (أي منعه من مبارحة البصرة) . فلما قدم عبد الله بن سبأ البصرة نزل على حكيم بن جبلة، واجتمع إليه نفر، فنفث فيهم سمومه. فأخرج ابن عامر عبد الله بن سبأ من البصرة، فأتى الكوفة فأخرج منها، ومن هناك رحل ابن سبأ إلى الفسطاط ولبث فيه وجعل يكاتبهم ويكاتبونه ويختلف الرجال بينهم. وذكر الطبري (٥: ١٠٤) أن السبئية لما قرروا الزحف من الأمصار على مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم كان عدد من خرج منهم من البصرة كعدد من خرج من مصر، وهم مقسمون كذلك إلى أربع فرق، والأمير على إحدى هذه الفرق حكيم بن جبلة، ونزلوا في المدينة في مكان يسمى ذا خشب. ولما حصبوا أمير المؤمنين عثمان وهو يخطب على المنبر النبوي كان حكيم بن جبلة واحدا منهم (الطبري ٥: ١٠٦) ولما رحل الثوار عن المدينة في المرة الأولى بعد مناقشتهم لعثمان وسماعهم دفاعه واقتناعهم، تخلف في المدينة الأشتر وحكيم بن جبلة (الطبري ٥: ١٢٠) وفي ذلك شبهة قوية بأن لهم دخلا في افتعال الكتاب المزور على أمير المؤمنين. ولما جاءت عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة وأوشكوا أن يتفاهموا مع أمير المؤمنين عليّ على رد الأمور إلى نصابها كان حكيم بن جبلة هو الذي أنشب القتال لئلا يتم التفاهم والاتفاق (الطبري ٥: ١٧٦ وما بعدها) . وارتكب دناءة قتل امرأة من قومه سمعته يشتم أم المؤمنين عائشة فقالت له: يا ابن الخبيثة أنت أولى بذلك. فطعنها فقتلها (الطبري ٥: ١٧٦) ، وحينئذ تخلى قومه عن نصرته إلا الأغمار منهم، وما زال يقاتل حتى قطعت رجله، ثم قتل وقتل معه كل من كان في الوقعة من البغاة على عثمان، ونادى منادي الزبير وطلحة بالبصرة: " ألا من كان فيكم من قبائلكم أحد ممن غزا المدينة فليأتنا بهم " فجيء بهم كما يجاء بالكلاب فقتلوا. فما أفلت منهم إلا حرقوص بن زهير السعدي من بني تميم (الطبري ٥: ١٨٠) . روى عامر بن حفص عن أشياخه قال: ضرب عنق حكيم رجل من الحدَّان يقال له ضخيم فمال رأسه فتعلق بجلده فصار وجهه في قفاه، الطبري (٥: ١٨٢) .

<<  <   >  >>