للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للمستظهر بالله أحمد وكان مهذبا مثقفا ضليعا في الأدب بليغ التوقيعات (١) إلا أن زمنه كثر فيه الاضطراب. وفي ذلك الجو أخذ ابن العربي في توسيع ثقافته وتلقي العلوم عن أهلها، حتى برع في علوم السنة وتراجم الرواة وأصول الدين وأصول الفقه وعلوم العربية والآداب. وممن تتلمذ لهم: أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار الصيرفي المعروف بابن الطيوري (٤١١ - ٥٠٠) المحدث الصحيح الأصول الواسع العلم. وأبو الحسن علي بن الحسين بن علي بن أيوب البزاز (٤١٠ - ٤٩٢) . وأبو المعالي ثابت بن بندار البقال المقرئ (المتوفى ٤٩٨) . والقاضي أبو البركات طلحة بن أحمد بن طلحة العاقولي الحنبلي (٤٣٢ - ٥١٢) وفخر الإسلام أبو بكر محمد بن أحمد بن الحسين بن عمر الشاشي الشافعي (٤٢٩ - ٥٠٧) وكان يسمى " الجنيد " لورعه ودينه، وإليه انتهت رياسة الشافعية في بغداد فأنشد في أحد دروسه:

خلت الديار فسدتُ غير مسود ... ومن العناء تفرُّدي بالسؤدد

ثم وضع المنديل على عينيه وجعل يبكي.

وتحدث ابن العربي عن إمام الشافعية هذا فذكر من محاسنه أنه سمعه ينتصر لمذهب أبي حنيفة في مجلس النظر ويقول: "يقال في اللغة لا تقرب كذا (بفتح الراء) أي لا تتلبس بالفعل. وإذا كان بضم الراء كان معناه لا تدن من الموضع". قلت وهذا من دلائل صحة العلم وسعة الأفق، فإن العالم لا ينضج حتى يترفع عن العصبية المذهبية ويجنح إلى الحق والخير حيثما كانا، ومن كان الحق غرضه تحراه واحتج له وكان معه في كل حال. أما التعصب للطائفية والمذهب وبنيات الطريق، وتمحل الحجج الواهية لذلك، فمن دلائل صغر النفس وزغل العلم والأنس بالباطل.

ومن الذين أخذ عنهم ابن العربي في بغداد الحافظ أبو عامر محمد بن سعدون بن مرجا الميورقي العبدري المتوفى سنة ٥٢٤ وكان من فقهاء مذهب


(١) التوقيعات: ما يكتبه الحكام على العرائض من الأوامر الرسمية.

<<  <   >  >>