للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمؤرخين، وأهل الآداب، بأنهم أهل جهالة بحرمات الدين، أو على بدعة مصرين، فلا تبالوا بما رووا، ولا تقبلوا رواية إلا عن أئمة الحديث، ولا تسمعوا لمؤرخ كلاماً إلا للطبري (١) وغير ذلك هو الموت الأحمر، والداء الأكبر. فإنهم ينشئون أحاديث فيها استحقار الصحابة والسلف، والاستخفاف بهم، واختراع الاسترسال في الأقوال والأفعال عنهم، وخروج مقاصدهم عن الدين إلى الدنيا، وعن الحق إلى الهوى. فإذا قاطعتم أهل الباطل واقتصرتم على رواية العدول، سلمتم من هذه الحبائل. ولم تطووا كشحا على هذه الغوائل ومن أشد شيء على الناس جاهل عاقل، أو مبتدع محتال. فأما الجاهل فهو ابن قتيبة، فلم يبق ولم يذر للصحابة رسما في كتاب (الإمامة والسياسة) إن صح عنه جميع ما فيه (٢)


(١) ومع ذلك فالطبري ذكر مصادر أخباره وسمى رواتها لنكون من أمرهم على بينة، وقال في آخر مقدمة كتابه: فما يكن في كتابي هذا من خبر يستنكره قارئه من أجل أنه لم يعرف له وجها في الصحة فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا، وإنما أتى من قبل بعض ناقليه إلينا (انظر مجلة الأزهر: صفر ١٣٧٢ص ٢١٠- ٢١٥) .
(٢) لم يصح عنه شيء مما فيه. ولو صحت نسبة هذا الكتاب للإمام الحجة الثبت أبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة (٢١٣ - ٢٧٦) لكان كما قال عنه ابن العربي، لأن كتاب الإمامة والسياسة مشحون بالجهل والغباوة والركة والكذب والتزوير. ولما نشرت لابن قتيبة كتاب (الميسر والقداح) قبل أكثر من ربع قرن، وصدرته بترجمة حافلة له، وسميت مؤلفاته، ذكرت (في ص٢٦ - ٢٧) مآخذ العلماء على كتاب الإمامة والسياسة، وبراهينهم على أنه ليس لابن قتيبة، وأزيد الآن على ما ذكرته في (الميسر والقداح) أن مؤلف الإمامة والسياسة يروي كثيرا عن اثنين من كبار علماء مصر، وابن قتيبة لم يدخل مصر ولا أخذ عن هذين العالمين، فدل ذلك كله على أن الكتاب مدسوس عليه.

<<  <   >  >>