ومن أوضح الأمثلة على ذلك ما أورده الطبري (٥/ ٣٢٣) وغيره أن معاوية لما أوصى إلى ابنه يزيد قال له: «إني لا أتخوّف أن ينازعك هذا الأمر الذى أسَّسْتَه إلا أربعة نفر: الحسين بن على، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن أبى بكر، فأما ابن عمر فهو رجل ثقة قد وقدته العبادة وإذا لم يبق أحد غيره بايعك.
وأما الحسين فإن أهل العراق خلفه لا يدعونه حتى يخرجوه عليك؛ فإن خرج فظفرت به فاصفح عنه فإن له رحمًا ماسة وحقًّا عظيمًا.
وأما ابن أبى بكر فهو رجل إن رأى أصحابه صنعوا شيئًا صنع مثله ليست له همة إلا النساء واللهو.
وأما الذى يجثم لك جثوم الأسد ويراوغك روغان الثعلب وإذا أمكنته فرصة وثب فذاك ابن الزبير؛ فإن هو فعلها بك فقدرت عليه فقطّعه إربًا إربًا».
وهذا الأثر باطل، في سند الطبري أبومخنف، وهو أخباري تالف، ثم إن متنه منكر، وفي سياقه ما يُكذبه، قال ابن كثير:«كذا قال! والصحيح أن عبد الرحمن [أي ابن أبي بكر] كان قد توفى قبل موت معاوية»، ثم أشار راويه عن أبي مخنف إلى مخالفته (١).
فإذا كان أحاديثٌ وأخبارٌ قد وُضعت لها أسانيد تطعن في الصحابي الجليل معاوية، فكيف بالحكايات التي لا سند لها أصلا؟
ولا شك أن تاريخ معاوية خاصة، وخلفاء بني أُمَيَّة عامة، قد أصابه ظُلمٌ عظيم من قِبَل أعدائه المختلفين ـ سياسيين وعقائديين ـ وعلى الباحثين من أهل السنة الاجتهادُ في تخليص الأكاذيب عن ذلك العهد ـ بل القرن المفضّل ـ وتجلية واقعه عبر المنهج الحديثي العلمي.
قال المؤرخ محمود شاكر - رحمه الله -: «إن هذه الافتراءات على بني أمية ليس لها سند صحيح، ومعظمها مجهول المصدر، الأمر الذي يدل على كذبها، وبهذا لا يمكن الاعتماد عليها أبدًا، وإذا أخذنا بمنهج الحديث في الجرح والتعديل، وهو أفضل منهج