للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن سعد: «أخبرنا علي بن محمد، عن لوط بن يحيي، قال: كان الولاة من بني أمية قبل عمر بن عبد العزيز يشتمون رجلًا - رضي الله عنه -، فلما ولي هو ـ عمر بن عبد العزيز ـ أمسك عن ذلك، فقال كثير عزة الخزاعي:

وَلِيتَ فلم تشتمْ عليًّا ولم تُخِفْ ... بَرِيًّا ولم تتبِعْ مقالةَ مجرمِ

تكلمتَ بالحق المبين وإنما ... تبين آيات الهدى بالتكلمِ

فصدَّقت معروف الذي قلتَ بالذي ... فعلتَ فأضحى راضيًا كلُّ مسلمِ» (١)

إن هذا الأثر واهٍ، فعلي بن محمد هو المدائني فيه ضعف وشيخه لوط بن يحيى، واهٍ بمرة، قال عنه يحي بن معين: «ليس بثقة»، وقال أبو حاتم: «متروك الحديث»، وقال الدارقطني: «أخباري ضعيف»، ووصفه في الميزان: «أخباري تالف لا يوثق به، وعامة روايته عن الضعفاء والهلكى والمجاهيل» (٢).

لقد اتهم الشيعة معاوية بحمل الناس على سب علي - رضي الله عنهما - ولعنه فوق منابر المساجد، وهذه الدعوى لا أساس لها من الصحة، والذي يقصم الظهر أن الباحثين قد التقطوا هذه الفرية على هوانها دون إخضاعها للنقد والتحليل، حتى صارت عند المتأخرين من المُسلَّمات التي لا مجال لمناقشتها، ولم يثبت قط في رواية صحيحة، ولا يعول على ما جاء في كتب الشيعة أمثال الدميري، واليعقوبي والمسعودي وأبي الفرج الأصفهاني.

إن التاريخ الصحيح يؤكد خلاف ما ذكره هؤلاء، من احترام وتقدير معاوية - رضي الله عنه - لأمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - وأهل بيته الأطهار - رضي الله عنهم -، فحكاية لعن علي على منابر بني أمية لا تتفق مع منطق الحوادث، ولا مع طبيعة المتخاصمين.


(١) الطبقات الكبرى لابن سعد (٥/ ٣٩٣ (.
(٢) سير أعلام النبلاء (٥/ ١٤٧)، الميزان (٣/ ٤١٩).

<<  <   >  >>