للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفصل الثاني

ثمار الإيمان

[الشجرة المباركة]

يقول تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (٢٤) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم /٢٤ - ٢٥].

فالإيمان كالشجرة الطيبة المباركة التي إذا ما أحسنَّا غرسها في القلب فإنها تُثمر - بإذن الله - ثمارًا يانعة وطيبة في كل الاتجاهات والأوقات، والأمثلة العملية التي تؤكد هذه الحقيقة من الكثرة بمكان، وسنذكر - بعون الله وفضله - في الصفحات القادمة بعض تلك الثمار، مع مزجها بنماذج تطبيقية من حياة الصحابة، باعتبار أنهم أفضل أجيال الأمة بالإجماع ..

أخرج أبو نُعيم عن عبد الله بن عمر قال: من كان مُستنًّا فليستن بمن قد مات، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، كانوا خير هذه الأمة، أبرَّها قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلُّفًا .. قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، ونقْل دينه، فتشبَّهوا بأخلاقهم وطرائقهم، فهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا على الهدى المستقيم والله رب الكعبة (١).

ويقول أبو الحسن الندوي في مقدمته لكتاب حياة الصحابة:

إن السيرة النبوية وسير الصحابة وتاريخهم من أقوى مصادر القوة الإيمانية والعاطفة الدينية، التي لا تزال هذه الأمة تقتبس منها شعلة الإيمان، وتشتعل بها مجامر القلوب، التي يسرع انطفاؤها وخمودها في مهب الرياح والعواصف المادية، والتي إذا انطفأت فقدت هذه الأمة قوتها وميزتها وتأثيرها، وأصبحت جثة هامدة تحملها الحياة على أكتافها.

إنها تاريخ رجال جاءتهم دعوة الإسلام فآمنوا بها وصدقتها قلوبهم .. وضعوا أيديهم في يد الرسول صلى الله عليه وسلم، وهانت عليهم نفوسهم وأموالهم وعشيرتهم، واستطابوا المرارات والمكاره في سبيل الدعوة إلى الله، وأفضى يقينها إلى قلوبهم، وسيطر على نفوسهم وعقولهم، وصدرت عنهم عجائب الإيمان بالغيب، والحب لله والرسول، والرحمة على المؤمنين والشدة على الكافرين، وإيثار الآخرة على الدنيا، والحرص على دعوة الناس، وإخراج خلق الله من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن جَور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سَعَتها، والاستهانة بزخارف الدنيا وحطامها، والشوق إلى لقاء الله، والحنين إلى الجنة، وعُلو الهمة، وبُعد النظر في نشر رِفد الإسلام وخيراته في العالم، وانتشارهم لأجل ذلك في مشارق الأرض ومغاربها، ونسوا في ذلك لذَّتهم، وهجروا راحاتهم، وغادروا أوطانهم، وبذلوا مُهَجَهم وحرّ أموالهم حتى أقبلت القلوب إلى الله، وهبَّت ريح الإيمان قوية عاصفة، طيبة مباركة، وقامت دولة التوحيد والإيمان والعبادة والتقوى، وانتشرت الهداية في العالم، ودخل الناس في دين الله أفواجًا (٢).

[الثمار العشر]

إن الهدف الأساسي من التحدث عن ثمار الإيمان ومدى ظهورها في جيل الصحابة رضوان الله عليهم هو استثارة مشاعر الاحتياج نحو التربية الإيمانية، وتقوية العزيمة لسلوك طريقها بإذن الله ..

ولقد تم اختيار عشر ثمار ليتم الحديث عنها - بعون الله - هي بإجمال:

أولًا: المبادرة والمسارعة لفعل الخير.

ثانيًا: تقوية الوازع الداخلي.

ثالثًا: الزهد في الدنيا.

رابعًا: التأييد الإلهي.

خامسًا: إيقاظ القوى الخفية.

سادسًا: الرغبة في الله.

سابعًا: اختفاء الظواهر السلبية وقلة المشكلات بين الأفراد.

ثامنًا: التأثير الإيجابي في الناس.

تاسعًا: اتخاذ القرارات الصعبة.

عاشرًا: الشعور بالسكينة والطمأنينة.

والجدير بالذكر أن هذه الثمار العشر ما هي إلا قطوف يسيرة من شجرة الإيمان المباركة، ولقد تم اختيارها كباقة متنوعة، فمنها ما يتعلق بعلاقة المؤمن بربه، ومنها ما ينعكس على علاقته بدنياه وآخرته، ومنها ما يظهر آثاره على تعاملاته مع الآخرين.

وإليك - أخي القارئ - بعضًا من التفاصيل حول هذه الثمار العشر.


(١) حلية الأولياء لأبي نُعيم الأصبهاني (١/ ٣٠٥)، دار الكتاب العربي - بيروت.
(٢) حياة الصحابة للكاندهلوي (١/ ١٥) بتصرف يسير.

<<  <   >  >>