للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جاء الوفد لسعيد بالصُرَّة فنظر إليها فإذا هي دنانير، فجعل يُبعدها عنه ويقول: «إنا لله وإنا إليه راجعون» فهبَّت زوجته مذعورة وقالت: ما شأنك يا سعيد؟! أمات أمير المؤمنين؟! قال: بل أعظم من ذلك. قالت: أأُصيب المسلمون في واقعة؟! قال: بل أعظم من ذلك، قالت: وما أعظم من ذلك؟! قال: دخَلتْ عليَّ الدنيا لتُفسد آخرتي، ودخَلتْ الفتنة في بيتي. فقالت: تخلَّص منها، قال: أوتُعِينيني على ذلك؟ قالت: نعم. فأخذ الدنانير فجعلها في صُرَرٍ ثم وزعها (١).

وهذا خباب بن الأرت يدخل عليه بعض أصحابه وهو في مرض الموت فيقول لهم: إن في هذا المكان ثمانين ألف درهم، والله ما شدَدْتُ عليها رباطًا قط، ولا منعت منها سائلًا قط، ثم بكى، فقالوا: ما يبكيك؟! فقال أبكي لأن أصحابي مضوا ولم ينالوا من أجورهم في هذه الدنيا شيئًا، وإني بقيت فنلت من هذا المال ما أخاف أن يكون ثوابًا لتلك الأعمال (٢).

وهذا سعد ابن أبي وقاص يذهب إلى سلمان الفارسي يعوده فرآه يبكي، فقال له سعد: ما يبكيك يا أخي؟ أليس قد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أليس .. ؟ قال سلمان: ما أبكي واحدة من اثنتين، ما أبكي ضَنًّا على الدنيا، ولا كراهية في الآخرة، ولكن رسول الله صلى الله عليه عهد إلينا عهدًا ما أراني إلا قد تعدَّيت، قال: وما عَهِد إليك؟ قال: عَهِد إلينا أنه يكفي أحدكم من الدنيا مثل زاد الراكب، ولا أراني إلا قد تعدَّيت (٣) .. فجُمع مال سلمان فكان قيمته خمسة عشر درهما (٤).

ومن ثمار الإيمان

رابعًا: التأييد الإلهي

الله عز وجل هو مالك الكون وربه ومدبر أمره {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [البقرة/٢٨٤].

لا يوجد له شريك في ملكه، يفعل ما يشاء .. يُقدِّم ويُؤخِّر، يقبض ويبسط، يخفض ويرفع، يُعز ويُذل {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر/٢].

وإن كان البشر كلهم أمام الله سواء فلا أفضلية لجنس أو قبيلة أو لون إلا أنه سبحانه يزيد من إكرامه وعنايته ورعايته للمؤمنين الذين يحبونه ويؤثرونه على هواهم {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية/٢١].

فالكرامة على قدر الاستقامة {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات/١٣].

{وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} [الجن/١٦].

وكلما ارتقى العبد في سلم الإيمان ازدادت ولاية الله له {وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} [الأعراف/١٩٦].

وفي الحديث القدسي: «ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته» (٥).

هذه الولاية والكفاية تشمل الفرد المؤمن، وتشمل المجتمع المؤمن.


(١) الإصابة ج٢، ترجمة (٣٢٧٠)، وحلية الأولياء (١/ ٢٤٤)، وتهذيب التهذيب (٤/ ٥١)، وصفة الصفوة (١/ ٣٧٢).
(٢) الإصابة، ج١، ترجمة (٢٢١٠)، وأسد الغابة (١/ ٣١٦)، وحلية الأولياء (١/ ١٤٣)، وصفة الصفوة (١/ ١٦٨).
(٣) أخرجه أبو يعلى (٨/ ٨٠، رقم ٤٦١٠)، والطبراني (٤/ ٧٧، رقم ٣٦٩٥)، والبيهقي في شعب الإيمان (٧/ ٣٠٧، رقم ١٠٤٠٠)، وأبو نعيم في الحلية (١/ ٣٦٠).
(٤) أخرجه ابن حبان (٢/ ٤٨١، رقم ٧٠٦).
(٥) أخرجه البخاري (٥/ ٢٣٨٤، برقم ٦١٣٧).

<<  <   >  >>