[مفتاح الدخول لباب المحبة]
كما قيل سابقًا بأن المعاملة على قدر المعرفة، فمعاملة الله بحب واشتياق ستكون - بإذن الله - نتيجة طبيعية لمعرفة وُدِّه وحُبِّه لنا، ونعمه الكثيرة التي يغمرنا بها ..
وأدعوك - أخي القارئ - إلى التعرف على الله الودود - بصورة إجمالية - من خلال قراءة الصفحات القادمة على أن تجعل عقلك بين مشاعرك، ثم سل نفسك بعدها: هل ازددت رغبة في الله وحُبًّا له؟
هذه الأسطر بعنوان:
أقبل ولا تخف فربك ينتظرك
كان في بلد من البلدان في زمن بني إسرائيل رجل يُدعى " الكفل "، وكان يفعل ما يُريد، ولا يُبالي بحلال أو حرام، وكان أهل بلدته يعرفون عنه هذا، وإذا ما جاء اسمه على لسان بعضهم لا تجد أحدًا منهم يذكره بخير أبدًا.
وفي ليلة من الليالي، وبعد أن دخل كل واحد بيته، وأغلق بابه، إذا بالكفل يسمع طرقًا على بابه، فقام ليفتح فإذا به يُفاجأ بامرأة يقطر منها الحياء، ويذوب وجهها خجلًا، فسألها عن سر مجيئها فأخبرته أنها تمُر بضائقة مالية شديدة، ولم تجد أمامها أحد سواه لتقترض منه .. وجد الكفل الفرصة سانحة أمامه .. امرأة جاءت إلى داره بمحض إرادتها، وفي سكون الليل، ولا يراها أحد من الناس، فتلطف معها وأدخلها داره، وأخبرها بأنه لا مانع لديه من إقراضها ولكن لديه شرط .. أن تُمكِّنه من نفسها.
ألحت المرأة عليه ألَّا يفعل، فلم يلتفت إلى إلحاحها وتوسلاتها، فوافقت مرغمة وهي تتقطع من داخلها، وعندما اقترب منها وجد فرائصها ترتعد، فسألها عن السبب، فأخبرته بأنها لم تفعل هذا الفعل من قبل، وأنها تخاف الله عز وجل وتخشى عقوبته وغضبه .. هنا توقف الكفل، وابتعد عنها، فقد وقعت تلك الكلمات موقعها في نفسه، ولبث هُنيهة، ثم قال لها: أنت تقولين هذا القول مع أنك مضطرة لذلك، فماذا عليَّ إذن أن أقول؟! ألست أنا أحق بالخوف من الله منك؟! ثم تركها تنصرف بعد أن أعطاها ما طلبته من المال.
تركها لتذهب وهو يعيش في لحظات من الذهول .. الألم يعتصره، والندم على ما فعله في حياته يُسيطر عليه، لقد كانت كلمات المرأة عن الله كالزلزال الذي هزَّ كيانه، واستخرج من ذاكرته شريط أحداث ماضيه الأسود، ذكرى أفعال سابقة، نسي فيها الله، ولم يَخَف مقامه سبحانه، وكلما تذكر موقفًا من مواقفه المخزية ازداد ندمه، واشتد ألمه، وعلا بكاؤه.
في هذه الأثناء، وبينما هو في هذه الحالة، حدث أمر لم يكن في الحسبان .. لقد زار الكفل ضيف آخر .. لم يكن ذاك الضيف من بني البشر، لقد زاره ملك الموت ليقبض روحه، وهو في أشد لحظات الندم والتوبة.
جاءه ملك الموت ومعه ملائكة الرحمة يزُفُّون إليه بشرى مغفرة الله له ورضاه عنه.
لقد قبِل الله ندمه وعفا عنه، وفوق هذا الجُود لم يتركه ليعيش بعد ذلك فقد يعود إلى سابق عهده من الظلم والطغيان، فقبض روحه في هذا الوقت لتكون النهاية السعيدة.
نعم - أخي - حدث هذا، فربك رؤوف رحيم، يُريد أن يعفو عنَّا جميعًا {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} [النساء: ٢٧] .. يُريد أن يُدخل الجميع الجنة {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ} [البقرة: ٢٢١].
لا تتعجب أخي مما حدث مع الكفل، فالله عز وجل ينتظر من جميع عباده أي التفاتة صادقة إليه ليُقبل عليهم ويعفو عنهم ويُدخلهم الجنة.
ولكن، هل انتهت قصة الكفل عند ذلك؟
لا، فقد حدث أمر عجيب، قد استيقظ الناس في الصباح وخرجوا من بيوتهم كعادتهم يلتمسون معايشهم وأرزاقهم، فمرَّ بعضهم بجوار بيت الكفل، فلفت نظرهم كلامٌ مكتوب بخط واضح على بابه، فاقتربوا منه ليقرأوه، فعقدت الدهشة ألسنتهم، وفغروا أفواههم، ووقفوا مشدوهين لا يكادون يُصدقون ما يرونه ..
لقد وجدوا عبارة تقول: «إن الله قد غفر للكفل».
تجمَّع الناس وقرؤوا العبارة وهم غير مُصدقين .. طرقوا الباب فلم يفتح لهم أحد، ففتحوه عُنوَة ليجدوا الكفل قد مات، فازداد عجبهم وحيرتهم، فهرعوا إلى نبيِّهم ليسألوه عن أمر الكفل، فأوحى الله إليه بما حدث، فاشتد بكاء الناس، وازداد حُبُّهم لله، وتعلقهم برحمته، وسارعوا إلى التوبة إليه.