للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تأمل قول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: ٦٢، ٦٣].

في هذه الآيات تم التذكير بمواقف سابقة تجلت فيها قدرة الله وتأييده ليأتي التوجيه بعد هذا التذكير {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٦٤) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} [الأنفال: ٦٤، ٦٥].

ثامنًا: المحاورة والإقناع والموازنة العقلية (تخيير النفس):

عندما يقتنع المرء بأهمية وقيمة العمل المطلوب قيامه به ومدى نفعه له، فإن ذلك من شأنه أن يدفعه لأدائه بمشاعر الرغبة والاحتياج، وكذلك عندما يقتنع بخطورة وضرر العمل الذي يود فعله فإنه سيتركه بإرادته ..

من هنا تبرز أهمية الحوار والإقناع سواء كان بين المرء ونفسه، أو بينه وبين الآخرين.

ومن الضروري أن ينطلق الحوار من قاعدة مفادها أن «صلاحك لمصلحتك»، وأنك المستفيد الأول من قيامك بالعمل الصالح، وأنك - أيضًا - الخاسر من عدم قيامك به.

فالنفس لا تحب أو ترضى بفوات مصلحة تنفعها، أو الوقوع في ضرر يؤذيها، لذلك نجد القرآن يستخدم هذه الطريقة في الإقناع:

{إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: ٧].

{أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ}؟! {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: ٤٠].

{مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} [الإسراء: ١٥].

{وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (١٠٦) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا} [الإسراء: ١٠٦، ١٠٧].

{قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا} [الأنعام: ١٠٤].

فهذه الآيات وغيرها تضع المرء في مواجهة مع نفسه، وتُشعره بالاحتياج الشخصي للعمل، وأنه الفائز إن عمله، والخاسر إن تركه {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى: ٢٠].

وعندما طلبت زوجات النبي صلى الله عليه وسلم التوسعة في النفقة نزل القرآن يحاورهن: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (٢٨) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: ٢٨، ٢٩].

وتأمل الحوار الذي دار بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين الشاب الذي أتاه يطلب منه أن يأذن له بالزنا:

<<  <   >  >>