للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الزخرف: ٤٨].

بل إن الهموم التي تهجم على العبد صورة من صور التنبيه وتكفير الذنوب، يقول صلى الله عليه وسلم: «إذا كثرت ذنوب العبد فلم يكن له من العمل ما يكفرها ابتلاه الله بالحزن ليكفرها عنه» (١).

ربٌ شكور:

ربنا ربٌ شكور .. يشكر عمل عبده - مع قلته - ويعظم له به الأجر ..

يقول صلى الله عليه وسلم: «بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق، فأخره فشكر الله له، فغفر له» (٢).

ويقول: «كان تاجر يداين الناس، فإذا رأى معسرًا قال لفتيانه: تجاوزوا عنه، لعل الله أن يتجاوز عنا، فتجاوز الله عنه» (٣).

ربٌ غفور:

أتدري - أخي - ما هي دعوة الله التي يدعو عباده إليها؟

إنها المغفرة .. يدعوهم لكي يستغفروه فيغفر لهم، ويستسمحوه فيُسامحهم مهما كانت أخطاؤهم ..

وهو مع غناه المطلق عنهم ينتظرهم ليُلبُّوا دعوته {يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} [إبراهيم: ١٠].

{وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ} [البقرة: ٢٢١].

{وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا} [البقرة: ٢٦٨].

أيُ غفلة نحن فيها؟!

ربنا العظيم، مالك الملك، الغني الحميد، الذي لا تنفعه طاعة الطائعين، ولا تضرُّه معصية العاصين، يستحثنا لتلبية دعوته .. للعفو والصفح والمغفرة.

ينادي على العاصين الذين بارزوه بالمعاصي {قلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: ٥٣].

لا يتعاظم لديه ذنب أن يغفره، بل يغفر ولا يُبالي ..

عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «والذي نفسي بيده، لو أخطأتم حتى تملأ خطاياكم ما بين السماء والأرض، ثم استغفرتم الله لغفر لكم» (٤).

ومن هذا الذي تملأ خطاياه ما بين السماء والأرض؟!

لكنه خطاب تطمين وتحفيز للمسارعة إلى نيل المغفرة وانتهاز الفرصة قبل فوات الأوان {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [آل عمران: ١٣٣].

{سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الحديد: ٢١].

[بابه مفتوح للجميع]

الله عز وجل لا يُغلق بابه في وجه سائل .. ينتظر توبة عبده، ويفرح بها أيما فرح، ويُكافئه عليها مكافأة فورية بأن يُبدل سيئاته حسنات، ليبدأ حياته الجديدة برصيد كبير منها {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: ٧٠].

ينتظر من عبده أية التفاتة صادقة ليُقبل عليه، وأي شعور بالندم على ما مضى منه من تفريط، ورغبة في التوبة إليه، فيغفر له ولا يُبالي.

يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، فإذا تاب عبد من عباده كان - سبحانه - أفرح بتوبته من ذاك الذي تاهت راحلته في الصحراء وعليها كل أسباب حياته.


(١) أخرجه أحمد (٦/ ١٥٧، رقم ٢٥٢٧٥)، وإسناده ضعيف لضعف ليث -وهو ابن أبي سليم- وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين.
(٢) متفق عليه: أخرجه البخاري (١/ ٢٣٣ رقم ٦٢٤)، ومسلم (٦/ ٥١ رقم ٥٠٤٩).
(٣) أخرجه البخاري (٢/ ٧٣١ رقم ١٩٧٢).
(٤) حديث صحيح: أخرجه أحمد (٣/ ٢٣٨، رقم ١٣٥١٨)، وأبو يعلى (٧/ ٢٢٦، رقم ٤٢٢٦)، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة برقم (١٩٥١).

<<  <   >  >>