للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عندما يستيقظ المرء وقت آذان الفجر يحدث صراع داخلي بين إيمانه بالله الذي يُملي عليه الامتثال لأوامره بالقيام للصلاة، وبين هوى نفسه وحبها للراحة والنوم، فإن كان الإيمان وقتها أقوى من الهوى فمن المتوقع أن يقوم المرء من فراشه، وينطلق للصلاة، وإن كان الهوى هو الأقوى كان الإخلاد إلى النوم هو القرار النهائي، ويؤكد هذا قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ} [القصص: ٥٠].

[هل الإيمان هو المعرفة؟]

يُعرِّف البعض الإيمان بأنه هو المعرفة، معرفة أن الله عز وجل هو رب كل شيء، وأنه هو الخالق، القدير، الرزاق ... .

ولكننا نرى أُناسا يُقرُّون بربوبية الله ولكنَّهم لا يتوجهون إليه بالعبادة، فلو كان الإيمان هو مجرد المعرفة لدفعتهم تلك المعرفة إلى التوجه بالعبادة نحوه، وخشيته وتقواه والتوكل عليه.

ولقد قصَّ القرآن علينا نماذج لهؤلاء: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} [يونس: ٣١].

{قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٤) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (٨٥) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٨٦) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} [المؤمنون: ٨٤ - ٨٧].

فالمشركون يعرفون أن الله هو ربُّ كل شيء، ويُقرُّون بألسنتهم بهذه الحقيقة لكنهم - مع ذلك - لا يعبدونه .. لماذا؟!

لأن هذه المعرفة لم يصل مدلولها إلى القلب فتصبح إيمانًا، والدليل على ذلك هو عدم تنفيذهم لمقتضيات هذه المعرفة، فلو كانت معرفة إيمانية لدفعتهم إلى التوجه إلى الله بالعبادة، أما المعرفة العقلية البحتة فلن تكون دافعًا للسلوك إلا إذا انتقل مدلولها إلى القلب، وامتزجت بالمشاعر، وأصبحت إيمانًا راسخًا فيها.

فإن كان الأمر كذلك، فما هو الإيمان؟

الإيمان بالشيء هو التصديق به {وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ} [المعارج: ٢٦].

والإيمان محله القلب ... فكيف يكون تصديق القلب للشيء؟

تصديق القلب للشيء هو اطمئنانه له، وثقته فيه، وعدم الارتياب أو الشك فيه {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} [الحجرات: ١٥].

انظر إلى قول اليهود كما أخبرنا القرآن {وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} [آل عمران: ٧٣]. أي: لا تثقوا ولا تطمئنوا ولا تُصدِّقوا إلا من تبِع دينكم.

وعدم الإيمان بالشيء هو رفضه وإنكاره والتشكيك فيه {فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} [النحل: ٢٢].

{إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} [التوبة: ٤٥].

فأول وأهم مرحلة للانقياد للشيء هي الإيمان به (أو الاطمئنان له، والثقة فيه)، فالذي يأخذ دواء ما لابد وأن يكون قد اطمأن له بقلبه، وألَّا يكون شاكًّا ولا مُرتابًا فيه.

<<  <   >  >>