للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا يغرنَّك من الله أن قِيل خال رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحب رسول الله، فإن الله عز وجل لا يمحو السيئ بالسيئ، ولكنه يمحو السيئ بالحسن، فإن الله ليس بينه وبين أحد نسب إلا الطاعة، فالناس شريفهم ووضيعهم في ذات الله سواء، الله ربهم وهم عباده، يتفاضلون بالعاقبة ويدركون ما عنده بالطاعة، فانظر الأمر الذي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ بُعث إلى أن فارقنا، فالزمه فإنه الأمر. هذه عظتي إياك إن تركتها ورغبت عنها حبط عملك، وكنت من الخاسرين (١).

الانتصاف من النفس:

كان لعثمان بن عفان رضي الله عنه عبد، فقال له: إني كنت عركت أُذنك فاقتص مني، فأخذ بأذنه ثم قال عثمان رضي الله عنه: اشدد، يا حبذا قصاص الدنيا، لا قصاص الآخرة (٢).

وعن إياس بن سلمة عن أبيه قال: مرَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه في السوق ومعه الدرة، فخفقني بها خفقة فأصاب طرف ثوبي، فقال: أمط عن الطريق. فلما كان في العام المُقبل لقيني فقال: يا سلمة، تُريد الحج؟ فقلت: نعم. فأخذ بيدي فانطلق بي إلى منزله فأعطاني ست مائة درهم وقال: استعن بها على حجِّك، واعلم أنها بالخفقة التي خفقتك. قلت: يا أمير المؤمنين ما ذكرتها. قال: وأنا ما نسيتها (٣).

ومن ثمار الإيمان

عاشرًا: الشعور بالسكينة والطمأنينة

الإيمان الحق بالله عز وجل يعني: الثقة به سبحانه ربًّا قادرًا على فعل أي شيء .. قريبًا مجيبًا .. حاضرًا غير غائب .. عظيمًا جليلًا .. رؤوفًا رحيمًا ..

وكلما تمكنت هذه الثقة في قلب العبد تبددت منه المخاوف التي ترهب الناس: كالخوف من سطوة الظالمين والخوف من المستقبل المجهول وما تخبئه الأيام.

وكلما ضعف الإيمان، وقلت الثقة زادت المخاوف، وظهرت أمارات الهلع والفزع والاضطراب عند التعرض لابتلاء أو نقص أو تضييق، ألم يقل سبحانه {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ} [آل عمران: ١٥١].

فالمشرك بالله يعاني من ضعف بل انعدام الثقة به سبحانه، وتظهر الثمرة المُرة لهذا الشرك عند النقص والابتلاء: رعبًا وفزعًا وهلعًا.

يقول ابن تيمية: الخوف الذي يحصل في قلوب الناس (كالخوف على فوات الرزق، والخوف من المستقبل المجهول) هو الشرك الذي في قلوبهم (٤).

وفي المقابل تجد المؤمن هادئ النفس، رابط الجأش، مطمئن القلب عند تعرضه للمحن والبلايا والأقدار المؤلمة {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١٧٣) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} [آل عمران: ١٧٣ - ١٧٤].

{وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: ٢٢].

من هنا ندرك معنى القول بأن: «حسبنا الله ونعم الوكيل» هي كلمة المؤمنين عند مواجهة المواقف الصعبة.


(١) تاريخ الطبري (٤/ ٣٠٦)، البداية والنهاية (٧/ ٤٢)، الكامل في التاريخ لابن الأثير (١/ ٤٠٨)، وحياة الصحابة (١/ ٥٤٨).
(٢) حياة الصحابة ١/ ٥٣٧، نقلًا عن «الرياض النضرة في مناقب العشرة» للمحب الطبري (٢/ ١١١).
(٣) تاريخ الطبري - (٢/ ٥٧٨)، وحياة الصحابة (١/ ٥٣٦).
(٤) رسائل ابن تيمية في السجن.

<<  <   >  >>