للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفصل السابع

الهزَّة الإيمانية وبداية الارتقاء الإيماني

[الحلقة المفقودة]

بعد الحديث عن أهمية الإيمان وثماره، ومراتب الارتقاء الإيماني، وجناحي التربية الإيمانية، يبقى السؤال: هل ما قيل يكفي لبدء الرحلة الإيمانية والسير إلى الله؟

بلا شك أن حُسن التعامل مع القرآن والتفكر فيه، ومداومة قراءته بتدبر وترتيل وصوت حزين، مع العمل - قدر المستطاع - على الاستفادة من القرآن في التفكر في الكون وأحداث الحياة وربطها بالله عز وجل .. بلا شك أن هذه الأعمال القلبية ستقوم - بإذن الله - بزيادة عظيمة وملحوظة للإيمان، فإن صَاحَبها أعمال صالحة فإن الأثر سيكون أشد وأشد شريطة أن يسبق تلك الأعمال تحفيز للمشاعر كما أسلفنا.

ولكن تبقى حلقة مفقودة في هذه المنظومة، ألا وهي الشرارة الأولى والشحنة القوية التي تهز القلب، وتوقظ الإيمان لتأتي بعد ذلك تلك الوسائل فتعمل عملها.

والشحنة القوية التي نحتاجها في البداية لكي توقظنا من سُباتنا وتجعلنا - بإذن الله - نبدأ رحلة الارتقاء الإيماني والسير إلى الله لها طريقتان: إما شُحنة تخويف وترهيب، وإما شُحنة تشويق وترغيب، كما قال بعض السلف: «لا يُخرج الشهوة من القلب إلا خوف مزعج أو شوق مقلق».

هيا بنا نزداد حُبًّا لله وشوقًا إليه:

بفضل الله تم الحديث في موضع سابق عن الخوف من الله وكيف نستخدمه ونجلب به الشرارة الأولى والشحنة القوية الدافعة للعمل (١)، ومع ذلك فهناك عدة أسباب تدفعنا لتفضيل طريق التشويق والترغيب في الله عز وجل.

ومن هذه الأسباب أن الحديث عن الخوف من الله وأسباب استجلابه من تذَكُّر الموت، وعذاب القبر والقيامة والنار، قد احتل مساحات كبيرة في كتابات وأحاديث العلماء والدعاة وغيرهم، ومن ثَمَّ فإن تأثيره - بسبب هذا التكرار - قد لا يأتي بالأثر المطلوب كالطبيب الذي يعتاد رؤية الإصابات والدماء والكسور فيفقد بمرور الوقت تأثره بها.

وعكس ذلك بخصوص طريق المحبة والتشويق إلى الله عز وجل، فالحديث عنها قليل، ولا يتوازن مع الحديث عن الخوف من الله عز وجل.

ومن هذه الأسباب: أن الشحنة الإيمانية والشرارة الأولى الناتجة عن طريق التشويق والترغيب لها صدى طيب في النفس، فمن شأنها أن تجعل المرء يستيقظ من سُباته وهو باسم .. يهرع إلى الله وهو فرِح .. يُسارع في القيام بالعبادات المختلفة، وهو في حالة من الرضا عن الله والشوق إليه والحب له ... .

ومنها كذلك أن الغافل يحتاج إلى مَن يُوقظه بحنان ورفق حتى يستوعب تلك اليقظة، أما المُستيقظ فهو يحتاج إلى بعض التخويف حتى لا يُعجب بنفسه، ويغتر بعلمه، فالترغيب يُفضل البدء به مع أمثالي من الغافلين، أما الترهيب فيكون مع العابدين والصالحين.

وليس معنى هذا هو ترك التخويف والترهيب، بل المقصد هو التوازن بينهما والبدء منهما بما يُناسب حالة القلب.

فإن اتفقت معي - أخي القارئ - على البدء بشحنة التشويق والترغيب في الله عز وجل، فلتكن إذن شُحنة قوية حتى تظهر الثمرة وتؤدي إلى اليقظة بإذن الله.

مع ملاحظة ضرورة الاستمرار - بعد حدوث اليقظة - في القيام بأعمال القلوب (التفكر في القرآن وتدبره والاجتهاد في التأثر به، والتفكر في الكون وأحداث الحياة والاعتبار بها وربطها بالله عز وجل) وكذلك الأعمال الصالحة المؤثرة التي يسبقها تذكير وتحفيز حتى يستمر الارتقاء الإيماني.

أما إذا حدثت اليقظة، ورضي المرء بها واطمأن لها ولم يُتبعها بأعمال الإيمان فسيعود - في الغالب - كما كان قبل اليقظة.

ومما يُساعد العبد على الاستمرار في الارتقاء الإيماني - بإذن الله- هو انتقاله بهذه المعاني - بعد استيقاظه - إلى محيط الدعوة، فعمله في إصلاح الإيمان وإيقاظ القلوب - بمثل ما حدث له - له وظيفة كبيرة في تثبيت المعاني في قلبه، وتجديدها، ومن ثَمَّ دفعه أكثر وأكثر للتزود والارتقاء (٢) ... .


(١) وذلك في كتاب «الإيمان أولًا فكيف نبدأ به؟».
(٢) (من المناسب أن يتم انتقال المرء بهذه المعاني إلى محيط الدعوة بعد خوضه غمار التربية النفسية، وممارسة مبادئها في التعرف على النفس وكيفية التعامل معها، حتى لا يشعر أن عنده شيئًا ليس عند غيره، فيُعجب بنفسه، فيكون ذلك سببًا في بعده عن الله، ولعلك تجد أخي القارئ في كتاب " حطِّم صنمك وكن عند نفسك صغيرًا " ما يُعينك - بإذن الله - على تخطي هذه العقبة التي تقف أمامنا جميعًا كحائل يحول بيننا وبين التقدم نحو الله، والكتاب موجود بفضل الله على موقع الإيمان أولًا.

<<  <   >  >>