للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رب صبور .. يصبر على أذى عباده وكفرهم وجحودهم مع قدرته المطلقة عليهم .. يقول صلى الله عليه وسلم «ليس أحد أصبر على أذى سمعه من الله تعالى، إنهم ليدَّعون له ولدًا، ويجعلون له أندادًا، وهو مع ذلك يُعافيهم ويرزقهم» (١).

ربٌ رحيم:

رحمته وسعت كل شيء، حتى العاصين له، المنكرين لوجوده، يُطعمهم ويسقيهم ولا يمنع رزقه عنهم.

أنزل في الأرض جزءا من مائة جزء من رحمته يتراحم بها خلقه، واختزن لنا عنده تسعة وتسعين جزءًا لوقت سنكون فيه أحوج ما نكون إلى تلك الرحمات.

قال صلى الله عليه وسلم: «إن ربكم رحيم؛ من همَّ بحسنة فلم يعملها كُتبت له حسنة، فإن عملها كُتبت عشرًا، إلى سبعمائة، إلى أضعاف كثيرة، ومن همَّ بسيئة ولم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت واحدة، أو يمحوها الله، ولا يهلك على الله إلا هالك» (٢).

إلهٌ رؤوف:

ربنا رب رؤوف، حنان .. أحن علينا من آبائنا وأمهاتنا وأزواجنا وأبنائنا .. إذا ابتلانا بمرض فإنه لا يحرمنا معه الأجر .. قال صلى الله عليه وسلم: «ما أحد من المسلمين يصاب ببلاء في جسده إلا أمر الله الحفظة الذين يحفظونه فقال: اكتبوا لعبدي هذا في كل يوم وليلة ما كان يعمله في الصحة من الخير ما دام محبوسًا في وثاقي» (٣).

نعم - أخي - هذا هو ربنا الرؤوف «إن الله يُنزل المعونة على قدر المؤنة، ويُنزل الصبر على قدر البلاء» (٤).

لا يُريدنا أن ندخل النار، فيظل يُخوفنا ويُخوفنا منها، ويُظهرها لنا بصورة بشعة مؤلمة قاسية، حتى نعمل على الهرب منها {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} [الزمر: ١٦].

ويعرض - سبحانه - لنا الجنة بصورة جميلة مبهرة تفوق الوصف، حتى نسعى حثيثًا للوصول إليها {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا} [الإنسان: ٢٠].

[لعلهم يرجعون]

مُراده - سبحانه - دخول الجميع الجنة، لكنه لا يقهر أحدًا على الإيمان به، وإلا انتفت الحكمة من خلق الإنسان وتمتعه بحرية الاختيار، ولصار كسائر المخلوقات.

ولأنه سبحانه يُريد لعباده دخول جنته، وهم في غفلة معرضون لذلك فهو يبتليهم بألوان شتى من الابتلاءات حتى يفيقوا من غفلتهم ويعودوا إليه.

فكل ما يَرِد على الإنسان من أشكال المنع كالمرض والنقص في الرزق والأمن فإن الحكمة الأساسية منه هو إخراجه من حالة الغفلة إلى اليقظة، ورجوعه إلى الله .. تأمل معي هذه الآيات التي تؤكد هذا المعنى:

{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: ٤١].

{وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [السجدة: ٢١].

{وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الأعراف: ١٦٨].

{وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الأعراف: ١٧٤].


(١) متفق عليه: أخرجه البخاري (٥/ ٢٢٦٢، رقم ٥٧٤٨)، ومسلم (٤/ ٢١٦٠، رقم ٢٨٠٤).
(٢) حديث صحيح: أخرجه أحمد (١/ ٢٧٩، رقم ٢٥١٩)، والطبراني (١٢/ ١٦١، رقم ١٢٧٦٠)، والبيهقي في شعب الإيمان (١/ ٣٠٠، رقم ٣٣٤).
(٣) حديث صحيح: أخرجه أحمد (٢/ ١٩٤، رقم ٦٨٢٥)، ورجاله رجال الصحيح، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع رقم (٥٧٦١).
(٤) حديث صحيح: أخرجه البزار، كما فى كشف الأستار (٢/ ١٩٥، رقم ١٥٠٦)، وابن لال في مكارم الأخلاق، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الجامع رقم (١٩١٩).

<<  <   >  >>