فعلى مستوى الفرد:
يتولى الله عز وجل أمور عبده المؤمن بما يُحقق له مصلحته الحقيقية ويجلب له السعادة في الدارين، وفي بعض الأحيان قد تكون من مظاهر تلك الولاية التضييق على العبد في أمور الدنيا إلا أنها تحمل في طياتها خيرًا كثيرًا، وفي هذا المعنى يقول صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليحمي عبده المؤمن من الدنيا وهو يُحبه، كما تحمون مريضكم الطعام والشراب تخافون عليه» (١).
الأمة والإيمان:
أما في محيط الأمة، فلا يكفي إيمان بعض الأفراد - هنا وهناك - لكي تتحقق بهم الولاية والنصرة للأمة، فالأمة كالجسد الواحد، لا يكون صحيحًا إلا إذا صحَّت جميع أعضائه. بمعنى أن وجود أفراد صالحين في ذواتهم لا يكفي لاستجلاب المعية والنصرة الإلهية، بل لابد وأن يقوموا بالعمل على إصلاح غيرهم - بإذن الله - وأن يبذلوا غاية جهدهم في ذلك من خلال العمل على تقوية الإيمان في قلوبهم، وتصحيح التصورات والمفاهيم الخاطئة في عقولهم، ودفعهم إلى طريق التواضع ونكران الذات، وتعويدهم على بذل الجهد في سبيل الله.
وعندما تشيع معاني الصلاح في الأمة ويرتفع منسوب الإيمان في القلوب، ولو بنسبة معقولة تتيح للمسلم اتخاذ قرارات التضحية ببعض شهواته ومصالحه من أجل نصرة دينه .. عندئذ يتحقق موعود الله بنصر الأمة - بإذنه سبحانه - مصداقا لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد/١١].
وتاريخ الأمة خير شاهد على أنه عندما يغلب الإيمان والصلاح على جيل من أجيال الأمة فإن النصر يكون حليفهم، والتأييد الإلهي لا يتجاوزهم .. انظر - إن شئت - إلى آيات القرآن وهي تقرر وتؤكد على هذا المعنى في قوله تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} [آل عمران/١٢٠]، وقوله: {بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} [آل عمران/١٢٥].
فالآية تؤكد أن الملائكة ستنزل سريعًا لتؤيد المؤمنين، وتقاتل معهم فور تحققهم بالصبر والتقوى، وفي المقابل؛ فعندما يغيب الإيمان ينقطع التأييد الإلهي، ويُترك المسلمون لأعدائهم ليسوموهم سوء العذاب.
الوعد الحق:
لقد وعد الله عز وجل عباده المؤمنين بالغلبة والنصر: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء/١٤١].
هذا الوعد القاطع متى يتحقق؟ .. يُجيب سيد قطب عن هذا السؤال في تفسيره لهذه الآية فيقول:
إنه وعد من الله قاطع، وحُكم من الله جامع: أنه متى استقرت حقيقة الإيمان في نفوس المؤمنين، وتمثَّلت في واقع حياتهم منهجًا للحياة، ونظامًا للحكم، وتجردًا لله في كل خاطرة وحركة، وعبادة لله في الصغيرة والكبيرة .. فلن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلًا.
وهذه حقيقة لا يحفظ التاريخ الإسلامي كله واقعة واحدة تُخالفها. وأنا أُقرر في ثقة بوعد الله لا يُخالجها شك، أن الهزيمة لا تلحق بالمؤمنين، ولم تلحق بهم في تاريخهم كله، إلا وهناك ثغرة في حقيقة الإيمان: إما في الشعور، وإما في العمل - ومن الإيمان أَخذُ العدة، وإعداد القوة في كل حين بنية الجهاد في سبيل الله، وتحت هذه الراية وحدها مجردة من كل إضافة ومن كل شائبة - وبقدر هذه الثغرة تكون الهزيمة الوقتية، ثم يعود النصر للمؤمنين حين يوجدون.
(١) حديث صحيح: أخرجه أحمد (٥/ ٤٢٨، رقم ٢٣٦٧٧). وأخرجه أيضًا: البيهقي في شعب الإيمان (٧/ ٣٢١، رقم ١٠٤٥٠)، والحاكم (٤/ ٢٣١، رقم ٧٤٦٥) وصححه، وصححه الألباني في صحيح الجامع، ح ١٨١٤.