للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن حدوث هذا التغيير يستلزم سلوك طريق «التربية» ... تأمل معي ما قاله الإمام المجدد حسن البنا، وهو يحكي عن تجربته في الدعوة حتى أيقن بضرورة التوجه نحو التربية لتغيير الفرد والأمة على منهج الإسلام، فيقول:

طالعت كثيرًا، وجربت كثيرًا، وخالطت أوساطًا كثيرة وشهدت حوادث عدة، فخرجت من هذه السياحة القصيرة بعقيدة ثابتة لا تتزلزل، هي أن السعادة التي ينشدها الناس جميعا إنما تفيض عليهم من نفوسهم وقلوبهم، ولا تأتيهم من خارج هذه القلوب أبدا، وأن الشقاء الذي يحيط بهم ويهربون منه إنما يصيبهم بهذه النفوس والقلوب كذلك، وإن القرآن يؤيد هذا المعنى، ويوضح ذلك قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد/١١].

اعتقدتُ هذا، واعتقدتُ إلى جانبه أنه ليس هناك نُظُم ولا تعاليم تكفل سعادة هذه النفوس البشرية، وتهدي الناس إلى الطرق العملية الواضحة لهذه السعادة كتعاليم الإسلام الحنيف الفطرية الواضحة العملية ..

لهذا وقَفْتُ نفسي منذ نشأت على غاية واحدة، هي إرشاد الناس على الإسلام حقيقة وعملًا ..

ظلت هذه الخواطر حديثًا نفسانيًّا، ومناجاة روحية، أتحدث بها في نفسي لنفسي، وقد أُفْضِي بها إلى كثير ممن حولي، وقد تظهر في شكل دعوة فردية، أو خطابة وعظية، أو درس في المساجد إذا سنحت فرصة التدريس، أو حثّ لبعض الأصدقاء من العلماء على بذل الهمة ومضاعفة المجهود في إنقاذ الناس وإرشادهم إلى ما في الإسلام من خير.

ثم كانت في مصر وغيرها من بلدان العالم الإسلامي حوادث عدة ألهبت نفسي، وأهاجت كوامن الشجن في قلبي، ولفتت نظري إلى وجوب الجد والعمل، وسلوك طريق التكوين بعد التنبيه، والتأسيس بعد التدريس (١).

و في موضع آخر يقول رحمه الله:

إن الخطب والأقوال والمكاتبات والدروس والمحاضرات وتشخيص الداء ووصف الدواء .. كل ذلك وحده لا يُجدي نفعًا، ولا يُحقق غاية، ولا يصل بالداعين إلى هدف من الأهداف؛ ولكن للدعوات وسائل لابد من الأخذ بها والعمل لها. والوسائل العاملة للدعوات لا تتغير ولا تتبدل ولا تعدو هذه الأمور الثلاثة:

١ - الإيمان العميق ... ٢ - التكوين الدقيق ... ٣ - العمل المتواصل (٢).

ثانيًا: أن تستمر التربية ولا تنقطع أو تتوقف عند فترة معينة، لأن الأمر الذي استوجبها دائم لا ينقطع ولا يتوقف حتى الموت: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر/٩٩].

تأمل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ... } [النساء/١٣٦].

يقول محمد قطب معلقًا على هذه الآية: أي حافظوا على إيمانكم، استمروا فيه، لا تغفلوا عن المحافظة عليه .. لا تفتروا عن معاهدته ورعايته وتغذيته وتقويته والحرص عليه (٣).


(١) رسالة المؤتمر الخامس، من مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا ص ١١٦، باختصار.
(٢) رسالة بين الأمس واليوم، ص ١٠٨.
(٣) مكانة التربية في العمل الإسلامي لمحمد قطب، ص ٢٦ - دار الشروق.

<<  <   >  >>