للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التلازم بين الظاهر والباطن في أعمال الكفر]

السؤال

جاء عن شيخ الإسلام قوله في مجموع الفتاوى: فكيف يقال: يلزم من السجود لشيء عبادته، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها؛ لعظم حقه عليها)، ومعلوم أنه لم يقل: لو كنت آمراً أحداً أن يعبد.

وقال في موضع آخر: أما الخضوع والقنوت بالقلوب والاعتراف بالربوبية والعبودية فهذا لا يكون على الإطلاق إلا لله سبحانه وتعالى وحده، وهو في غيره ممتنع باطل، وأما السجود فشريعة من الشرائع، إذ أمرنا الله أن نسجد له، ولو أمرنا أن نسجد لأحد من خلقه غيره لسجدنا لذلك الغير طاعة لله عز وجل، وإذا أحب أن نعظم من سجدنا له ولو لم يفرض علينا السجود لم يجب البته فعله، فسجود الملائكة لآدم عبادة لله وطاعة له وقربة يتقربون بها إليه، وهو لآدم تشريف وتكريم وتعظيم، وسجود إخوة يوسف له تحية وسلام.

وقال في موضوع آخر في الصارم المسلول: إن من سب الله أو سب رسوله كفر ظاهراً وباطناً، سواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم، أو كان مستحلاً له، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده، هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل.

ألا يمكن من هذين النصين أن نستفيد أن التلازم بين الظاهر والباطن فيه تفصيل، فمرة يكون التلازم لازماً إذا كانت الدلالة قطعية تدل على التلازم في الساب لله والرسول، ولا يلزم هذا التلازم إذا لم يكن هناك دليل، كمن حال دون كفره شبهة أو تأويل؟

الجواب

مقتضى كلامه أن عمل القلب والظاهر قد يكون فيه تلازم وقد لا يكون فيه تلازم، لكن المرجئة يقولون: لابد من التلازم في كل شيء، ويفهم من كلام الشيخ رحمه الله أن الإقرار لله بالربوبية والقنوت لا يكون إلا لله، أما السجود فهو يختلف باختلاف الشرائع، ففي شريعة آدم لما خلق الله آدم أمر الملائكة فسجدوا له، والسجود عبادة لله، وفيه تكريم لآدم، والسجود في شريعة يوسف عليه السلام تحية وليس عبادة، وفي شريعتنا صار عبادة، وهكذا.

يختلف باختلاف الشرائع.

فالمقصود أن هناك فرقاً، لكن في شريعتنا إذا سجد شخص لغير الله فإنه يكون مشركاً؛ لأن الله حرم هذا، وهذه الشريعة أكمل الشرائع.

فالمؤلف رحمه الله يفرق ويقول: إن الإقرار بالربوبية والقنوت والخضوع لا يكون إلا لله، في كل وقت وفي كل زمان وفي كل شريعة، أما السجود فيكون في بعض الشرائع تحية، وفي بعض الشرائع يكون عبادة، ففي شريعة يوسف لم يكن عبادة، وإنما كان تحية وإكراماً، وحينما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم كان عبادة لله وتكريماً لآدم، وفي شريعتنا الكاملة صار السجود عبادة.

أما التلازم بين القلب والظاهر فلا يلزم التلازم، والمرجئة يقولون: يلزم التلازم، فعندهم لا يكون كافراً بالعمل إلا إذا اعتقد بالقلب، ونقول: هذا باطل؛ لأنه قد يكون هناك تلازم في بعض الأعمال وقد لا يكون هناك تلازم، فقول المرجئة: إن السجود للصنم لا يكون كفراً إلا إذا اعتقد بقلبه، ولا يكون كفراً إذا سب الله ورسوله إلا إذا اعتقد بقلبه، قول باطل، ولهذا نقل المؤلف رحمه الله أن من سب الله وسب رسوله فهو كافر، سواء اعتقد بقلبه أو لم يعتقد بقلبه، وقال: إن هذا هو قول الفقهاء قاطبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>