للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الاستثناء في الإيمان]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: الاستثناء في الإيمان.

قال أبو عبيد: حدثنا يحيى بن سعيد عن أبي الأشهب عن الحسن قال: قال رجل عند ابن مسعود: أنا مؤمن.

فقال ابن مسعود: أفأنت من أهل الجنة؟! فقال: أرجو، فقال ابن مسعود: أفلا وكلت الأولى كما وكلت الأخرى؟].

هذا الأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه وإن كان قال صاحب الحاشية: إن سنده منقطع له شواهد تقويه وتشده.

وقوله: [قال رجل عند ابن مسعود: أنا مؤمن] أي أنه لم يستثن، فكأنه يزكي نفسه، فلم يقل إن شاء الله، فقال ابن مسعود: [أفأنت من أهل الجنة؟!] أي: تستطيع أن تقول: إنك من أهل الجنة؟! قال: أرجو.

فقال: لماذا لم تقل في الإيمان: أنا مؤمن أرجو، أفلا وكلت الأولى إلى مشيئة الله كما وكلت الأخرى إلى مشيئة الله؟! وذلك لأن شعب الإيمان متعددة، فلا يجزم الإنسان بأنه قد عملها، فالإنسان محل النقص والتقصير، يتطرق إليه النقص والخلل في أداء الواجبات وفي ترك المحرمات، فلا يجزم الإنسان بأنه أدى ما عليه، ولا يزك نفسه، ولهذا يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، وقد أنكر ابن مسعود رضي الله عنه عليه على الرجل وقال: أفلا وكلت الأولى كما وكلت الأخرى؟! لأنه استثنى في الثانية ولم يستثن في الأولى.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال أبو عبيد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان بن سعيد عن الأعمش عن أبي وائل قال: جاء رجل إلى عبد الله فقال: بينا نحن نسير إذ لقينا ركباً، فقلنا: من أنتم؟ فقالوا: نحن المؤمنون؟ فقال: أولا قالوا: إنا من أهل الجنة؟!].

أي: أنكر عليهم قولهم: نحن المؤمنون دون أن يستثنوا، وقال: أولا قالوا: إنا من أهل الجنة؟! أي: من جزم بأنه مؤمن فليجزم بأنه من أهل الجنة، وفي هذا إنكار عليهم، فكما أنك لا تجزم بأنك من أهل الجنة فلا تجزم بأنك مؤمن بإطلاق وأنك أديت ما عليك، بل أنت محل النقص والتقصير، فينبغي أن تستثني وتقول: أنا مؤمن إن شاء الله.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا يحيى بن سعيد ومحمد بن جعفر كلاهما عن شعبة عن سلمة بن كهيل عن إبراهيم عن علقمة قال: قال رجل عند عبد الله: أنا مؤمن، فقال عبد الله: فقل: إني في الجنة، ولكن آمنا بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله].

علقمة من أصحاب عبد الله بن مسعود، وقد أنكر عبد الله بن مسعود على من قال: (أنا مؤمن) ولم يستثن، فقال عبد الله: فقل: إني في الجنة! يعني: إذا جزمت بأنك مؤمن فاجزم بأنك في الجنة، ولكن قل: آمنا بالله وملائكته وكتبه ورسله، وهذا هو أصل الإيمان، ولهذا قيل لبعض السلف: أنت مؤمن؟ فقال: أنا مؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.

أي: هذا أصل الإيمان، أما أن يجزم بأنه مؤمن كامل الإيمان فلا.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن محل بن محرز قال: قال لي إبراهيم: إذا قيل لك: أمؤمن أنت؟ فقل: آمنت بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله].

لعل إبراهيم هنا هو إبراهيم النخعي، يقول: إذا قيل لك: أمؤمن أنت؟ فقل: آمنت بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، يعني: تجزم بأنك مؤمن لكن لا تجزم بأنك أديت الواجبات وتركت المحرمات فتقول: أنا مؤمن بإطلاق، ولهذا قال: قل: آمنت بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: إذا قيل لك: أمؤمن أنت؟ فقل: آمنت بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله].

طاوس هو طاوس بن كيسان اليماني التابعي الجليل، وهنا روى ابن طاوس عن أبيه طاوس أنه قال: إذا قيل لك: أمؤمن أنت؟ فقل: آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله.

وهذا هو أصل الدين، أما أن تقول: أنا مؤمن وتسكت فلا، فلا تزك نفسك.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الرحمن عن حماد بن زيد عن يحيى بن عتيق عن محمد بن سيرين قال: إذا قيل لك: أمؤمن أنت؟ فقل: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ} [البقرة:١٣٦]].

أي: هذا أصل الإيمان.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور عن إبراهيم قال: قال رجل لـ علقمة: أمؤمن أنت؟ فقال: أرجو إن شاء الله].

علقمة هو من أصحاب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قيل له: أمؤمن أنت؟ فلم يجزم واستثنى وقال: أرجو إن شاء الله.

وذلك لأن الإنسان محل التقصير، فلا يجزم بأنه أدى ما عليه، فالخلل والتقصير حاصل في أداء الواجبات وترك المحرمات، ولهذا قال: أرجو إن شاء الله، وهذا مذهب جمهور أهل السنة والجماعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>