فضيلة الشيخ كما تعلمون أن العلم وسيلة من وسائل التقرب إلى الله عز وجل وزيادة الإيمان والخشية، فبعد أن أنهينا كتاب الإيمان ولله الحمد, فما هي نصيحتكم لطلاب العلم للعمل بما علموا؛ لأن ثمرة العلم العمل؟
الجواب
لا شك أن ثمرة العلم العمل، وأن العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل، والله سبحانه وتعالى أثنى على المؤمنين بخشيته وتقواه قال تعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر:٢٨].
فالعلماء قسمان: علماء الآخرة والشريعة الذين يعلمون ويعملون، أما علماء السوء فهم الذين يعلمون ولا يعملون نسأل الله العافية، كما أخبر الله عن اليهود، ونحن في كل ركعة من ركعات الصلاة فرض الله علينا أن نقرأ سورة الفاتحة، وفيها الثناء على الله في أولها، ثم الدعاء العظيم في آخرها وهو أعظم وأنفع وأجمع دعاء {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}[الفاتحة:٦ - ٧]، وحاجة المسلم إلى هذا الدعاء أعظم من حاجته إلى الطعام والشراب بل أعظم من حاجته إلى النفس الذي يتردد بين جنبيه؛ لأن الإنسان إذا فقد الطعام والشراب وفقد النفس مات والموت لابد منه، ولا يظن الإنسان أنه يموت إذا كان مستقيماً على شرع الله ودينه، لكن إذا فقد الهداية مات روحه وقلبه وصار إلى النار نعوذ بالله، فقوله:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}[الفاتحة:٦] ثبتنا اهدنا ودلنا على الصراط المستقيم، وقوله:{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}[الفاتحة:٧] هم الذين يعلمون ويعملون، فهم المنعم عليهم، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم، قوله:{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}[الفاتحة:٧] هم الذين يعلمون ولا يعملون، ويدخل في ذلك دخولاً أولياً اليهود ومن فسد من علماء هذه الأمة ففيه شبه من اليهود، قوله:{وَلا الضَّالِّينَ}[الفاتحة:٧] يعني: غير طريق الضالين وهم الذين يعبدون الله على جهل وضلال.
فالطائفة الأولى تعلم ولا تعمل، فهم مغضوب عليهم، وهم العلماء الذين يعلمون ولا يعملون وهم علماء السوء كما قال ابن تيمية رحمه الله:(علماء السوء تخالف أقوالهم أفعالهم إذا قالوا بألسنتهم: افعلوا، قالت أفعالهم للناس: لا تفعلوا، قطاع طريق يقطعون الطريق عن الناس بأفعالهم الخبيثة {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}[الفاتحة:٧] فهم مغضوب عليهم يعلمون ولا يعملون، والطائفة الثانية يعملون ويتعبدون لكن على جهل وضلال كطوائف النصارى، وبعض الصوفية وغيرهم، وهما داءان إذا سلم الإنسان منهما سلم: الداء الأول: ترك العمل, وهو داء الغواية، والداء الثاني: الجهل، وهو التعبد على جهل وضلال، وقد برأ الله نبيه الكريم من هذين الداءين بقوله سبحانه:{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى}[النجم:١ - ٢] (ما ضل) ليس ضالاً عليه الصلاة والسلام بل هو على علم علمه ربه، ولا غاوياً لا يعمل بعلمه بل هو بار راشد.
فالمؤمن الذي يعلم ويعمل يقال له: راشد، والذي يعلم ولا يعمل يقال له: غاوي, والذي يعمل بدون علم هذا ضال.