قال المؤلف رحمه الله تعالى:[فالأمر الذي عليه السنة عندنا ما نص عليه علماؤنا مما اقتصصنا في كتابنا هذا أن الإيمان بالنية والقول والعمل جميعاً، وأنه درجات بعضها فوق بعض، إلا أن أولها وأعلاها الشهادة باللسان، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي جعله فيه بضعة وسبعين جزءاً، فإذا نطق بها القائل وأقر بما جاء من عند الله لزمه اسم الإيمان بالدخول فيه، لا بالاستكمال عند الله، ولا على تزكية النفوس، وكلما ازداد لله طاعة وتقوى ازداد به إيماناً].
هذه الأسطر الستة خلاصة لمعتقد أهل السنة والجماعة تكتب بماء الذهب، ولو كتبت بماء الذهب لم يكن فيها كثيراً، وفيها بيان القاعدة العظيمة عند أهل السنة والجماعة في الإيمان، فجدير بالمسلم أن يكتب هذه الأسطر في ورقة ويجعلها في جيبه دائماً؛ حتى يتبين له مذهب أهل السنة والجماعة ويرد على المرجئة في هذا.
يقول المؤلف رحمه الله:[فالأمر الذي عليه السنة عندنا] يعني معشر أهل السنة والجماعة والأئمة والعلماء [ما نص عليه علماؤنا] يقول صاحب الحاشية: أي ما مضى عليه علماؤنا، يعني: ما استمروا عليه واعتقدوه وقرروه [مما اقتصصنا في كتابنا هذا] يعني: مما ذكرنا في كتابنا هذا من الأدلة والنصوص [أن الإيمان بالنية والقول والعمل جميعاً] فيكون ثلاثة أجزاء: النية، والقول، والعمل، فلابد من النية في الصلاة، وفي الزكاة، وفي الصوم، وفي الحج وفي سائر العبادات؛ لحديث:(إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرء ما نوى)، فلا تصلح الأعمال إلا بالنية، فالنية من الإيمان، والقول يشمل قول اللسان وهو النطق، وقول القلب، وهو التصديق والإقرار، والعمل يشمل عمل القلب وعمل الجوارح، فيكون الإيمان مكوناً من النية والقول والعمل.
فيقول الإمام أبو عبيد رحمه الله:[أن الإيمان بالنية والقول والعمل جميعاً، وإنه درجات بعضها فوق بعض] خلافاً للمرجئة الذين يقولون: الإيمان شيء واحد ولا يوجد درجات ولا نية ولا عمل، ولا يوجد إلا قول القلب وتصديق القلب فقط قال:[وأنه درجات بعضها فوق بعض، إلا أن أولها وأعلاها] أي: أول الدرجات وأعلاها [الشهادة باللسان] وهي كلمة التوحيد؛ لأنها أصل الدين وأساس الملة، وأول درجات الإيمان وأصلها وأسها الذي تنبني عليه الأعمال، وهي الشهادة لله تعالى بالوحدانية ولنبيه بالرسالة، وجملتها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله).
قال:[كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي جعله فيه بضعة وسبعين جزءاً] والضمير يعود إلى الإيمان، يشير إلى الحديث الذي في الصحيحين:(الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) فإذا نطق القائل بكلمة التوحيد، وقال:(أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله) وأقر بما جاء من عند الله والترم واعترف وصدق بالأوامر والنواهي [لزمه اسم الإيمان بالدخول فيه] أي أنه يسمى مؤمناً [لا بالاستكمال عند الله]، فلا نقول: إن إيمانه مستكمل حتى يمتثل الأوامر ويجتنب النواهي، [ولا على تزكية النفوس] أي: وليس له أن يقول: أنا مؤمن، فيزكي نفسه، ولكن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله أرجوه، كما قال بعض السلف، وكما سيأتي.
قال:[وكلما ازداد لله طاعة وتقوى ازداد إيماناً] أي: إذا أدى الإنسان الفرائض فهو مؤمن، لكن إذا زاد عليها السنن الرواتب والضحى، وتحية المسجد، وسنة الوضوء، وصلاة الليل، وكذلك زاد في الصيام فصام ثلاثة أيام من كل شهر، والإثنين والخميس، وتسع ذي الحجة، وستاً من شوال، والتاسع والعاشر من محرم زاد تقواه وإيمانه، وكذلك الزكاة إذا أداها وتصدق من غيرها زاد إيمانه، خلافاً للمرجئة الذين يقولون: الإيمان لا يزيد ولا ينقص.