للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم من حكم بغير ما أنزل الله]

السؤال

ذكرتم أن من الأدلة على أن مانعي الزكاة كانوا جاحدين لها أنهم قاتلوا على منعها، فهل هذا ينطبق على من يحكم بغير ما أنزل الله إذا قاتل من أراد الحكم بما أنزل الله، أي: هل هو دليل على جحوده للحكم بما أنزل الله؟

الجواب

مسألة منع الزكاة فيها كلام لأهل العلم، لكن الذي ذكر هو الصواب من أقوال أهل العلم، فمانعوا الزكاة أيام الردة قاتلهم الصحابة، وحكموا عليهم بحكم المرتدين؛ لأنهم منعوها وقاتلوا عليها.

أما مسألة الحكم بغير ما أنزل الله ففيها تفصيل؛ إذ الحكم بغير ما أنزل الله قد يكون كفراً أكبر وقد يكون كفراً أصغر، والله تعالى يقول: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:٤٤]، ويقول تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة:٤٥]، ويقول تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة:٤٧].

وروي عن ابن عباس أنه قال: ليس بالكفر الذي تذهبون إليه.

فإذا فعله كفر به، وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر.

وروي عن عطاء أنه قال: كفر دون كفر.

ومن العلماء من تأول الآية على ترك الحكم بجميع ما أنزل الله، ومن ذلك الحكم بالتوحيد، ومن العلماء من تأولها على ترك الحكم بغير ما أنزل الله جحوداً، ومنهم من تأولها في أهل الكتاب، فالعلماء لهم فيها أقوال.

والصواب في هذه المسألة أن الحكم بغير ما أنزل الله قد يكون كفراً أكبر، وقد يكون كفراً دون كفر، فإذا حكم بغير ما أنزل الله معتقداً أن الحكم بما أنزل الله لا يناسب العصر الحاضر، أو أن الإنسان مخير يجوز له أن يحكم بالشريعة وبغير الشريعة فهذا كفر وردة، مثل من يقول: إن الزنا حلال، أو: الربا حلال، أو: الخمر حلال.

فهذا يقتل؛ لأنه استحل أمراً معلوماً من الدين بالضرورة تحريمه، أو أنكر أمراً معلوماً من الدين بالضرورة.

فمن يقول: الزكاة غير واجبة، والصلاة غير واجبة يكفر، ولو كان يصلي ويزكي؛ لأنه أنكر أمراً معلوماً من الدين بالضرورة.

وأما من لا يزكي ويرى أن الزكاة واجبة فإنه لا يكفر، وكذلك من يقول: الزنا حلال، أو: الربا حلال، أو: الخمر حلال، فهذا يكفر؛ لأنه استحل أمراً معلوماً من الدين بالضرورة تحريمه، لكن من يزني، أو يشرب الخمر، ويعلم أن ذلك حرام، أو غلبه الجشع فتعامل بالربا، وغلبته الشهوة فزنى، وغلبه حب المال فسرق، فهذا إيمانه ضعيف وناقص وهو مرتكب لكبيرة، وهو متوعد، لكن لا يكفر.

وكذلك الحكم بغير ما أنزل الله، فالذي يحكم بغير ما أنزل الله ويرى أنه يجوز الحكم بالقوانين والآراء، وأنه لا حرج في ذلك، وأن الإنسان مخير فإن ما فعله كفر وردة، أما من حكم طاعة للهوى والشيطان، وهو يعلم أن الحكم بما أنزل الله واجب لكن حكم بغير ما أنزل الله لرشوة، أو لأجل أن ينفع المحكوم له، وهو يعلم أن الحكم بما أنزل الله واجب وأنه عاص ففعله كفر أصغر وكبيرة، ولا يكون كفراً أكبر.

فالمقصود أن هذا فيه تفصيل، وهذا الأمر قد بينه أهل العلم واستدلوا عليه بالنصوص، وعلى السائل أن يراجع ما كتبه العلماء على الآيات في ذلك، فليراجع تفسير الحافظ ابن كثير وغيره على هذه الآيات في سورة المائدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>