ما حكم من يقول: إن عقيدة أهل السنة في التكفير مبنية على إثبات التلازم بين الباطن والظاهر، فكل من كفر كفراً عملياً أكبر مخرجاً عن الملة؛ فإن هذا الكفر يدل على الكفر الاعتقادي، كما ذكر ذلك الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله في أعلام السنة المنشورة، وهو أن كفر الظاهر متلازم مع كفر الباطن، فهل هذا القول صحيح أم لا؟
الجواب
لا يلزم ذلك، وقد يقال: إن هذا قول المرجئة، فقد يسب شخص الله ورسوله بسبب خصومة بينه وبين شخص آخر وهو لا يعتقد ذلك بقلبه فيكفر بهذا السب والعياذ بالله، ولو خاصم شخص شخصاً ثم سب الدين وهو لا يعتقد ذلك فإنه يكفر أيضاً، فالأول ليس عنده عقيدة سب الله ورسوله أو الاستهزاء بالله ورسوله، ولكنه يكفر بذلك، والدليل على هذا أن جماعة من الناس في غزوة تبوك سبوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه القراء بأنهم يأكلون كثيراً ويكذبون، وهم جبناء عند اللقاء، فقالوا: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء -يعنون الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه القراء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسنة ولا أجبن عند اللقاء، فنزلت الآية الكريمة:{قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}[التوبة:٦٥ - ٦٦] فأثبت لهم الكفر بعد الإيمان بهذه المقالة، فقد يكفر الإنسان ولو لم يعتقد ذلك بقلبه، فلو أن شخصاً مزق المصحف استهانة به أو داسه بقدمه متعمداً أو لطخه بالنجاسة كفر، وساب الله ورسوله يكفر، وإذا استهزأ بالله أو بكاتبه أو برسوله فإنه يكفر، وإذا سجد لصنم وقال: إنما وضعت رأسي أمامه فإنه يكفر، ولهذا ناقشهم ابن القيم رحمه الله وقال: إن مشايخ الصوفية يطلبون من أتباعهم أن يسجدوا أو يركعوا لهم إذا جاءوا، فإذا قيل لهم: كيف تسجدون لغير الله؟! قالوا: إن هذا إنما هو وضع الرأس أمام الشيخ احتراماً له وتواضعاً، فقال ابن القيم: ولو سميتموه ما سميتموه، فإن من سجد للصنم فقد وضع رأسه للصنم احتراماً له وتواضعاً، فالمقصود أنه لا يوجد تلازم بين العمل وبين القلب، وإنما المرجئة هم الذين يقولون: إن السجود للصنم ليس بكفر، ولكنه دليل على ما في القلب من الكفر، وسب الله أو سب الرسول ليس كفراً، وإنما هو دليل على ما في القلب، ودليل على الكفر، والسجود للصنم ليس كفراً بذاته، لكنه دليل على الكفر.
والصواب أن نفس السب كفر ونفس السجود للصنم كفر، فالتلازم وربط الكفر بالقلب مذهب المرجئة، فإنهم يقولون: إنه لا يكفر بالعمل بل لا بد من التلازم بينه وبين القلب.
والصواب أن الكفر بالقلب بالاعتقاد، ويكون بالقول باللسان، ويكون بالعمل، كالسجود للصنم، ويكون بالإعراض والترك والرفض لدين الإسلام، فلا يتعلمه ولا يعمل به، فإذا رفض دين ورفض أن يعبد الله كفر بهذا الرفض والترك.
قال تعالى:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ}[الأحقاف:٣]، وقال:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ}[السجدة:٢٢] فالرفض والترك والإعراض عن دين الله بعدم تعلمه وعدم العمل به كفر ولو لم يعتقد ذلك بقلبه، ولا يلزم أن يعتقد ذلك بقلبه، فمجرد الرفض والإعراض عن دين الله كفر وردة، والسجود للصنم كفر وردة ولو لم يعتقد ذلك بقلبه، وسب الله أوالرسول كفر وردة، ولو لم يعتقد ذلك بقلبه.
فالسب كفر مستقل، واعتقاده بالقلب كفر مستقل، فاعتقاد الكفر كفر مستقل، وعمل الكفر كفر مستقل، وقوله الكفر باللسان كفر مستقل، والإعرض عن دين الله والرفض والترك له كفر مستقل.