للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولقد ذكره ولهوزن أيضًا بالتفصيل، ولعل الحديث عنه أطول حديث في كتابه نقطع منه هذا الجزء لتصوير الرجل وتحليله الذي حلل به شخصيته:

كان المختار ينعت بأنه سحار " (١) "، وأنه "الدجال"١"ويوصف عادة بـ"الكذاب". وهذا الوصف لا لأنه زعم أنه مكلف من قبل ابن الحنفية، بل لأنه تبدى على أنه نبي. حقًّا إنه لم يسم نفسه بهذا الاسم، ولكنه أتى أفعالاً من شأنها أن تعطي عنه هذه الفكرة، فكرة أنه نبي. وكان يتكلم وكأنه جالس في الحضرة الإلهية، يعلم الغيب، ويسجع سجع الكهان بطلاقة ومهارة. ويريد أن يفرض شخصيته على الناس، وأفلح في هذا أيضًا وإن كان نجاحه لدى الخاصة والعقلاء أقل منه لدى العامة والدهماء. وطالما حالفه النصر اتسعت دوائر المؤمنين به. فلما مني بالهزيمة أدبرت عنه الدنيا. وراحت الروايات تطلق سهامها على ذكراه بعد مقتله. في البدء كانت تذمه دون أن تشوه صورته. ولكنها راحت بعد ذلك في مرحلة متأخرة تنعته بنعوت أملاها الحقد. وهذه النعوت نفسها هي التي تسود الصورة التي كونتها عنه الأجيال التالية. و "دوزي" لا يستخدم غيرها لرسم الصورة التي عملها للمختار في كتابه "مقالة في تاريخ الإسلام": فيقول عنه إنه هو الذي أمر بإطلاق الحمام البيض، وأنه كان خارجيًّا ثم زبيريًّا ثم شيعيًّا، وأنه ابتدع القول بالبداء في الله كيما يبرر تقلبه هو من مذهب إلى مذهب. ولكن لا يحق للمرء أن يجعله معرضًا للسخرية من أجل أن يفهمه على حقيقته. ولحسن الحظ كان لنشر "تاريخ" الطبري الفضل في وضع حد لهذا النحو من تصوير الرجل.


(١) - الطبري ج٢ ص٧٣٠ س١٣، ص٦٨٦ س٧

<<  <   >  >>