للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن كان لابد من الإجابة عن السؤال: هل كان المختار نبيًّا صادقًا أو متنبئًا كاذبًا؟ - فلا مناص من تعديله إلى هذه الصيغة: أكان المختار مخلصًا أم غير مخلص؟ قد يأخذ عليه المرء أنه استعان بالتنبؤ للوصول إلى الحكم. ولكن هذا المأخذ عينه قد يؤخذ على محمد، وعلى المرء أن يلاحظ أن الإسلام دين سياسي وأن أي نبي مسلم لابد أن يسعى إلى الحكم. ولكن ما هو أشد من ذلك المأخذ خطرًا وأكبر وزنًا هو أنه تستر وراء شبح وناطور خيالي (هو محمد بن الحنفية) لم يعرف عن أمره شيئًا ولم يشأ أيضًا أن يعلم عن أمره شيئًا. فلم يكن ضميره نقيًّا من هذه الناحية، ولكن الظروف في ذلك الحين لم تسمح له - بوصفه مسلمًا وشيعيًّا - أن يظهر باسمه هو الخاص، بل كان عليه أن يخلق لنفسه مركز "أمين" للمهدي المستتر ... وإن المختار اتخذ نقطة ابتدائه من بدعة غريبة غامضة اختط بها المختار وهي "السبئية". والسبئية كانت قد اتخذت اتجاهًا أنشأ يسيطر على طبقات واسعة بحيث اضطرت الشيعة بوجه عام إلى اتخاذ موقف أشد حدة بإزاء الإسلام السني وازداد إبراز الخلافات بين الشيعة والسنة. والسبئية يسمون أيضًا "الكيسانية" وكان كيسان زعيمًا للموالي، فإن كان في نفس الوقت زعيمًا للسبئية، فيستنتج من هذا أن السبئية والموالي كانوا

شيئًا واحدًا تقريبًا " (١) ". واعتمادًا على هذا الاستنتاج مضى البعض فزعم أن التشيع كمذهب ديني إيراني الأصل، لأن غالبية موالي الكوفة كانوا إيرانيين. قال دوزي" (٢) ": "كانت الشيعة في حقيقتها فرقة فارسية، وفيها يظهر أجلى ما يظهر ذلك الفارق بين الجنس العربي، الذي يحب الحرية، وبين الجنس الفارسي الذي اعتاد الخضوع كالعبيد. لقد كان مبدأ انتخاب خليفة للنبي أمرًا


(١) - ص٦٢٣ س١٤، ص٦٥١ س٢
(٢) - في كتابه المذكور آنفًا، ص٢٢٠ وما يليها

<<  <   >  >>