٤ - والقصيدة خلو من الروح الديني وقد يكون نظمها في بدء حياته الشعرية وقبل أن يقف نفسه وحياته وشعره على شؤون الدين وذلك يوضح لنا أسباب احتذائه لعمرو بن كلثوم، فالشاعر في أول حياته في الشعر كثيراً ما يقلد النابغين من الشعراء ويحتذيهم، وبين القصيدتين موازنة أدبية طويلة في كتابي موقف النقاد من الشعر الجاهلي.
وأصحاب المجمهرات هم عبيد وعنترة وأمية وعدي وبشر بن أبي خازم وخداش بن زهير والنمر بن تولب.
بعض ما أخذ عليه: ١ - أخذ عليه قوله:
والشمس تطلع كل آخر ليلة ... حمراء مطلع لونها متورد
تأبى فلا تبدو لنا في رسلها ... إلا معذبة وإلا تجلد
فما شأن الشمس تجلد.
٢ - وأخذ عليه قوله:
له ما رأت عين البصير وفوقه ... سماء الإله فوق سبع سمائيا
فقد خرج عن الاستعمال الفصيح لجمعه سماء على فعائل والقياس جمعها على فول ولأنه أقر الهمزة العارضة في الجمع، مع أن اللام معتلة، وهذا غير معروف، ألا ترى أنهم يقولون خطيئة وخطايا لا خطائي، ولأنه أجرى ياء "سمائي" مجرى الباء في ضوارب ففتحها في موضع الجر، والمعروف أن تقول هؤلاء جوار ومررت بجوار فتحذف الياء والنون، وهذه الأوجه ذكرها صاحب الخزانة.
دين أمية: لم يكن أمية وثنياً، وجعله البعض نصرانياً ومنهم المسعودي، وروى صاحب الإصابة أنه مات مسلماً ونسبوا إليه شعراً في مدح الرسول، والذي يراه أنه كان متحنفاً، ويقول:
كل دين يوم القيامة عند ... الله إلا دين الحنفية زور
مصادر ثقافته الدينية: ١ - حنيفية وما كانت تمده به من آراء في الحياة والإله والكون.
٢ - كتب أهل الكتب الدينية التي اطلع عليها أمية كما يبدو ذلك بوضوح شعره، ومنها التوراة والإنجيل.
٣ - الأساطير والقصص والذي كان ذائعاً في العصر الجاهلي، وما تلقفه من أفواه الأحبار والكهان، وما سمه من أساطير فارسياً.
٤ - آراؤه الخاصة في الدين والوجود.
٥ - القرآن الكريم، وهو أهم مصادر ثقافته الدينية.
[آراء المستشرقين في أمية]
وقد أعمى التعصب الديني بعض المستشرقين (أ) فذهب المستشرق الفرنسي كليمان هيوار (١٨٥٤ - ١٩٢٧) إلى أن شعر أمية كان من مصادر القرآن، وأن الرسول ألف القرآن متأثراً فيما تأثر به بثقافات أمية الدينية في شعره، وهو رأي باعثه التعصب الممقوت.
(ب) وذهب المستشرق الألماني (شولتهيس) إلى أن الأمية منهجاً مستقلاً، ومن ثم أخذ يوازن بين القرآن وشعر أمية وذهب في خطأ جسيم إلى أن أمية كان أدق في كثير من الأحيان في النقل عن الكتب القديمة وأنه كان أعلم وأبعد مدى في الثقافة من محمد وأن المصدر الذي نقل عنه كل منهما واحد، وينكر رأي هيوار في أي شعر أمية كان من مصادر القرآن، ويرى أن القرآن كتاب محمد.
وجاء في دائرة المعارف الإسلامية: أن القصائد والمقطوعات التي وصلت إلينا منسوبة إلى أمية، يمكن قسمتها بحسب موضوعها قسمين كبيرين، أصغرهما يتكون من قصائد وأبيات قيلت في مدح أشخاص وبخاصة في مدح رجل من أغنياء مكة هو عبد الله بن جدعان، وهي لا تختلف في جوهرها عن نظائرها عند غيره من شعراء العرب القدماء، أما القسم الأكبر الذي يبدأ بالقصيدة الثالثة والعشرين، فبدل دلالة كاملة على النزعة التي يمكن تسميتها بالحنيفية، وأساسها القول بإله واحد هو رب العباد، ونرى فيها صوراً شبيهة بالوحي عن مقام الله وملائكته، وحكايات عن الخلق وآراء تتعلق بيوم القيامة والجنة والنار، وفيها دعوة إلى عمل الخير، وإشارات إلى عبر أخذ بعضها من أخبار العرب من عاد وثمود، وبعضها من قصص التوراة عن الطوفان وإبراهيم ولوط وفرعون. وابن أبي الصلت مولع إلى جانب هذا بقص الحكايات على ألسنة الحيوان. ونلاحظ في شعره أيضاً ذكراً للأعمال السحرية.. ومن قصته عن إبراهيم:
ولإبراهيم الموفى بالنذر ... احتسابا وحامل الأجزال
يكره لم يكن ليصبر عنه ... أو يراه في معشر أقتال
ومن يقرأ هذه القصة وما شابهها في القرآن الكريم يعلم صحة ما نقول من أن أمية في هذا الباب متكلف متصنع، محاك لم يحكم المحاكاة، بل إنه نظام وليس بشاعر، وهذا لا يخليه من بعض أبيات كان له فيها بعض الإجادة في هذا الباب.