وقال ابن سلام فيه: وكان أمية كثير العجائب، يذكر في شعره خلق السموات والأرض ويذكر الملائكة، ويذكر من ذلك ما لم يذكره أحد من الشعراء. وقال أبو عبيدة: "اتفقت العرب على أن أشعر أهل المدن أهل يثرب، ثم عبد القيس، ثم ثقيف، وأن أشعر ثقيف أمية بن أبي الصلت". وقال الكميت: "أمية أشعر الناس، كما قلنا ولم نقل كما قال". وقال الأصمعي: "ذهب أمية بعامة ذكر الآخرة وذهب عنترة بعامة ذكر الحرب، وذهب عمر بن أبي ربيعة بعامة ذكر الشباب".
ونقول: تلك آراء العلماء في شعر أمية، ولكن ما بين أيدينا من شعره لا ينزله هذه المنزلة، فلعل كثيراً من شعره الجيد قد ذهب مع الزمان.
وقال أبو الفرج في أغانيه: "كان أمية بن أبي الصلت في نظر في الكتب وقرأها، ولبس المسوح تعبدا، وكان ممن ذكر إبراهيم وإسماعيل والحنفية وحرم الخمر، وشك في الأوثان، وكان محققا. والتمس الدين، وطمع في النبوة، لأنه قرأ في الكتب أن نبيا يبعث من العرب فكان يرجو أن يكون هو، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: هذا الذي كنت تستريث وتقول فيه فحسده عدو الله وقال إنما كنت أرجو أن أكونه فأنزل الله عز وجل "واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها".
وهو الذي يقول:
كل دين يوم القيامة عند الل ... هـ إلا دين الحنيفة زور
فأنت ترى من هذا أنه كان متألهاً يعبد الله على دين إبراهيم، ويتوقع أن يكون هو صاحب الرسالة الذي بشرت به الكتب التي عكف عليها بالدرس. فلما لم يكن ما خط في سجل القدر موافقا لما وقر في نفسه، غلب جهله على حلمه، وسيطر حسده على فكره، فلم يؤمن بالنبي عليه السلام، ولم ينهل من حياض شريعته. قال ابن عتيبة في طبقات الشعراء: "وكان أمية يخبر أن نبيا يخرج قد أظل زمانه، وكان يؤمل أن يكون ذلك النبي، فلما بلغه خروج النبي صلى الله عليه وسلم كفر به جسدا". ولما بلغه خبر وقعة بدر والذين قتلوا بها من ذوي قرابته قال قصيدته التي يرثي فيها من قتل من قريش ويحرضهم على أخذ الثأر:
ألا بكيت على الكرا ... م بني الكرام أولى الممادح
كبكا الحمام على فرو ... ع الأيك في الغصن الجوانح
ثم أخذ يفيض في وصف قتلى بدر حتى لم يدع مكرمة إلا ألصقها بهم إلى أن قال:
خذلتهم فئة وهم ... يحمون عورات الفضائح
الضاربين التقدمية ... بالمهندة الصفائح
قال ابن هشام بعد رواية هذه القصيدة: "تركنا منها بيتين نال فيهما من أصحاب الرسول". وجاء في دائرة المعارف الإسلامية: "والأخبار مختلفة في موقفه بالنسبة للنبي وللإسلام، ولعل الأرجدح أنه لم يلق النبي وأبى أن يصدق بدعوته، يؤيد هذا ما يتجلى في قصيدته المذكورة من عطف على قريش.. وأياً ما كان من شأن هذه الروايات فقد اتفقت جميعاً على أنه مات كافراً ولم يؤمن بالنبي عليه السلام، روى صاحب الأغاني بسنده قال: "لما أنشد النبي صلى الله عليه وسلم قول أمية:
الحمد لله ممسانا ومصبحنا ... بالخير صبحنا ربى ومسانا
رب الحنيفة لم تنفد خزائنه ... مملوءة بطبق الآفاق سلطانا
ألاني لنا منا فيخبرنا ... ما بعد غايتنا من رأس مجرانا
إلى أن قال:
يا رب لا تجعلني كافر أبدا ... واجعل سريرة قلبي الدهر إيمانا
واخلط به بنيتي واخلط به بشري ... واللحم والدم ما عمرت إنسانا
فقال صلى الله عليه وسلم "آمن شعره وكفر قلبه". ولولا ما نعرف من غلبة الكذب على كثير من الشعراء لقلنا إن هذه الأبيات منحولة على أمية كما نحل الكثير غيرها ولكنا قد تعودنا من الشعراء غير ذلك، فلا بعد في أن تكون من شعره. ولقائل أن يقول إن هذه القصيدة قيلت قبل مبعث النبي عليه السلام، وقد اتفق الرواة كما قدمنا على أنه كان موحدا حنيفياً، فلم نشك في نسبتها إليه؟.
[الشنفرى الأزدي]
من شعراء العرب وفتاكهم، ومن أشهر العدائين فيهم هو والسليك وعمرو بن براق وتأبط شراً.