ويروى أنه حلف مرة ليقتلن من بني سلامان مائة رجل فقتل منهم تسعة وتسعين، فاحتالوا عليه فأمسكوه وكان الذي أمسكه أسير بن جابر أحد العدائين المشهورين، رصده حتى نزل في مضيق ليشرب الماء فوقف له فأمسكه ليلاثم قتله، فمر رجل منهم بجمجمته فضربها برجله، فدخلت شظية من الجمجمة في عينيه فمات منها، فتمت القتلى مئة.
ومن أحسن شعره قصيدته "لامية العرب":
أقيموا بني أمي صدور مطيعكم ... فإني إلى قوم سواكم لأميل
وعليها شروح كثيرة، وقد طبعها العلامة سلوستر دي ساسي في كتابه "الأنيس المفيد" ترجمت للفرنسية بقلم العلامة فرستال، كما ترجمت إلى اللغة النمساوية مراراً.
نماذج من شعر الشنفرى: - ١ -
أقيموا بن أمي صدور مطيكم ... فإني إلى قوم سواكم لأميل
فقد حمت الحاجات والليل مقمر ... وشد لطيات مطايا وأرحل
وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى ... وفيها لمن خاف القلى متعزل
ولي دونكم أهلون: سيد عملس ... وأرقط ذهلول وعرفاء حيأل
هم الأهل لا مستودع السر ذائع ... لديهم ولا الجاني بما جر يخذل
وكل أبي باسل غير أنني ... إذا عارضت أولى الطرائد أبسل
وإن مدة الأيدي إلى الزاد لم أكن ... بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل
وما ذاك إلا بسطة عن تفضل ... عليهم وكان الأفضل المتفضل
وأني كفاني فقد من ليس جازيا ... بحسنى ولا في قربه متعلل
ثلاثة أصحاب: فؤاد مشيع ... وأبيض إصليت وصفراء عيطل
هتوف من الملمس المتون يزينها ... رصائع قد نيطت إليها ومحمل
إذا زل عنها السهم حنت كأنها ... مرزأة عجلى ترن وتعول
ويصف الشنفرى الذئاب الجائعة في لاميته فيقول:
وأعدو على القوت الزهيد كما غدا ... أزل تهاداه النتائف أطحل
غدا طاويا يعارض الريح هافيا ... نجوت بأذناب الشعاب وبعسل
فلما لواه القوت من حبت أمه ... دعا فأجابته نظائر نحل
مهللة شيب الوجوه كأنها ... قداح بكفي ياسر تنقلقل
أو الخشرم المبعوب حثحث دبره ... محابيض أرادهن سام معسل
مهرته فوه كأن شدوقها ... شقوق العصى كالحالات وبسل
فضج وضجت بالبراج كأنها ... وإياه نوح فوق علياء ثكل
وأغضى وأغضت وأقسى وأقست به ... مراميل عزاها وعزته مرمل
شكا وشكت ثم ارعوى بعد وارعوت ... وللصبر إن لم ينفع الشكو أجمل
[لقيط بن يعمر]
هو شاعر جاهلي قديم مقل، ذكر ابن الشجري أنه كان كاتباً في ديوان كسرى، ولم يكن بيد الناس من شعره في زمن صاحب الأغاني إلا قصيدة كتب بها إلى قومه يحذرهم ما اعتزمه كسرى من غزوهم وقتالهم، وقطع أخرى لطاف متفرقة، فإذا صحب رواية ابن الشجري - وفي ما قاله أبو الفرج ما يقويها وإن لم يصرح وكان لقيط قد خدم الأكاسرة وكتب لهم - فهو أقدم من بلغنا خبره ممن أتقن الفارسية من العرب وأجدرهم بأن يتأثر بها شعره.
وليس من المستطاع اليوم وقد ضاع شعر لقيط تعيين ما كان لعلمه بالفارسية واتصاله بخدمة الملوك من أثر فيه، ولكن القصيدة التي بقيت له وانتهت إلينا تتميز من شعر ذلك العهد بأنها نسق واحد لا خلة فيه ولا وثبة، وأنها لا تبدأ معنى حتى تتمه وتستوفيه، ولا تنتقل عنه إلى آخر حتى يكون هو الذي أدى إليه واقتضاه. ولعل خير ما يدل على مذهب الشاعر ويكشف عن طريقته إثبات أبيات منها تجمع إلى وضوح الدلالة كثيراً من الفائدة.
قال لقيط يحذر قومه عاقبة أمرهم إذا قهرهم الفرس، ويذكرهم بما يحل بهم إذا دارت عليهم الدائرة وغلبهم الأجنبي على سلطانهم، ويوصيهم باجتماع الكلمة والتشمير للحرب وتقليد زمامهم من توفرت فيه خلالها وتمت له أداتها:
هيهات لا مال من زرع ولا إبل ... يرجى لغابركم إن أنفسكم جدعا
لا تلهكم إبل ليست لكم إبلا ... إن العدو بعظم منكم قرعا
لا تثمروا المال للأعداء إنهم ... إن يظفروا يحتووكم والتلاد معا
يا قوم إن لكم من إرث أولكم ... إن ضاع آخره أو ذل واتضعا
ماذا يرد عليكم عن أولكم ... مجداً قد أشفقت أن يفنى وينقطعا
فلا تغرنكم دنيا ولا طمع ... أن تنعشوا بزماع ذلك الطمعا