لنا الدنيا ومن أضحى عليها ... ونبطش حين نبطش قادرينا
١ - بدأها عمر بن كلثوم بوصف الخمر، وهذه المعلقة فريدة في هذه الناحية، فلم تبدأ معلقة أو قصيدة بوصف الخمر في الجاهلية إلا هذه القصيدة، ولعل سر ذلك أن تغلب كانت النصرانية موجودة في بعض ربوعها، وأن الخمر كانت شائعة في هذه الربوع، قال:
ألا هبي بصحنك فاصبحينا ... ولا تبقى خمور الأندرينا
مشعشعة كأن الحصى فيها ... إذا ما الماء خالطها سخينا
صددت الكأس عنا أم عمرو ... وكان الكأس مجراها اليمينا
وما شر الثلاثة أم عمرو ... بصاحبك الذي لا تصبحينا
وكأس قد شربت ببعلبك ... وأخرى في دمشق وقاصرينا
إذا صمدت حمياها أريبا ... من الفتيان خلت به جنونا
ب - ثم يأخذ في الغزل ووصف محبوبته وجمالها:
قفي قبل التفرق يا ظعينا ... نخبرك اليقين وتخبرينا
قفي نسألك هل أحدثت صرما ... لوشك البين أم خنت الأمينا
أفي ليلى يعاتبني أبوها ... وإخوتها وهم لي ظالمونا
ج - ثم ينتقل إلى الفخر بقومه ومجدهم وعزتهم، ويهدد الملك عمرو بن هند وينذره ويتوعده في أسلوب قوي جزل مع عذوبة وجمال، والظاهر أن ذلك كان أيام التحاكم أمام عمر بن هند والمفاخرة بين تغلب وبكر:
أبا هند فلا تعجل علينا ... وأنظرنا نخبرك اليقينا
بأنا نورد الرايات بيضا ... ونصدرهن حمراً قد روينا
وأيام لنا غر طوال ... عصينا الملك فيها أن ندينا
ورثنا المجد قد علمت معد ... نطاعن دونه حتى يبينا
والجزء التالي من المعلقة يبدو أنه نظم بعد قتل عمرو بن هند، وهو:
بأي مشيئة عمر بن هند ... تطيع بنا الوشاة وتزدرينا
تهددنا وتوعدنا رويدا ... متى كنا لأمك مقتوينا
وأن قناتنا يا عمر أعيت ... على الأعداء تملك أن تلينا
ثم ينتقل إلى ذكر وقائع قومه مفتخراً بها على بكر، ومنها يوم خزاز، ثم يختمها بفخر قوي، منه:
وأنا الحاكمون بما أردنا ... وأنا النازلون بحيث شينا
وأنا النازلون بكل ثغر ... يخاف النازلون به المنونا
إذا ما الملك سام الناس خسفا ... أبينا أن نقر الخسف فينا
ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا
ملأنا البر حتى ضاق عنا ... وموج البحر نملؤه سفينا
إذا بلغ الفطام لنا رضيع ... تخر له الجبابر ساجدينا
لنا الدنيا ومن أمسى عليها ... ونبطش حين نبطش قادرينا
وبعد، فالمعلقة من روائع الفخر، ويقال إنها كانت تزيد على الألف بيت، وإنما وصل إلينا بعضها مما حفظه الناس منها.
والغالب - كما ذكرنا - أن الشاعر نظمها على مرتين: في مفاخرته ليكون عند عمرو بن هند، وفي حادثة أمه، ولذلك رأينا فيها إشارة إلى كلتيهما وقد وقف عمر بن كلثوم بهذه المعلقة في سوق عكاظ فأنشدها في موسم الحج وكان بنو تغلب يعظمونها ويرويها صغارهم وكبارهم، لما حوته من الفخر والحماسة مع جزالتها وسهولة حفظها.
وقد أثرت هذه القصيدة في نفوس قبيلة تغلب وفخروا بها، واتخذوها أنشودتهم، حتى قال فيها بعض البكريين:
إلهي بني تغلب عن جل أمرهم ... قصيدة قالها عمرو بن كلثوم
يفاخرون بها مذ كان أولهم ... يا للرجال لشعر غير مسؤوم
والميزة الواضحة فيها السهولة والقوة، والاعتداد بالنفس والقبيلة، المبالغة في الفخر، وأنها شعر صدر عن سيد قومه يعترف فيه بسيادته وسيادة قبيلته ومجدها وأيامها وبطولة أبطالها وانتصاراتهم.
وبدؤها بالخمر يرجع إلى انتشار النصرانية في تغلب وانتشار الخمر بينهم. وتكاد تكون هي القصيدة الوحيدة في بدئها بالخمر على غير عادة الشعراء الجاهليين.
ويعجب النقاد بمعلقة عمرو إعجاباً شديداً، قال ابن قتيبة: وهي من جيد شعر العرب وإحدى السبع المعلقات. وقدمه بها النقاد وقال مطرف عن عيسى بن عمرو: لو وضعت أشعار العرب في كفة وقصيدة عمرو بن كلثوم في كفة لمالت بأكثرها.
[آثار من شعر عمرو]
١ - روى صاحب ديوان الحماسة لعمرو بن كلثوم أبياتاً له من خير الأبيات يمتدح فيها بقومه، هي:
معاذ الإله أن تنوح نساؤنا ... على هالك، أو أن نضج من القتل