يا قوم لا تأمنوا إن كنتم غيرا ... على نسائكم كسرى وما جمعا
يا قوم بيضتكم لا تفجعن بها ... إني أخاف عليها الأزلم الجذعا
هو العناء الذي تبقى مذلته ... إن طار طائركم يوما وإن وقعا
هو القتاد الذي يجتث أصلكم ... فمن رأى مثل ذا رأيا ومن سمعا
قوموا قياما على أمشاط أرجلكم ... ثم افزعوا، قد ينال الأمن من فزعا
وقلدوا أمركم لله دركم ... رحب الذراع بأمر الحرب مضطلعا
لا مترفا إن رخاء العيش ساعده ... ولا إذا عض مكروه به خشعا
لا يطعم النوم إلا ريث يبعثه ... هم تكاد حشاه تحطم الضلعا
مسهد النوم تعنيه أموركم ... تروم منها إلى الأعداء مطلعا
ما انفك يحلب در الدهر أشطره ... يكون متبعا طوراً ومتبعا
وليس بشغله مال يثمره ... عنكم ولا ولد يبغي له الرفعا
قد استمر على شرر مريرنه ... مستحكم السن لا قحما ولا ضرعا
[أبو دؤاد الأيادي]
شاعر قديم كان على خيل المنذر بن النعمان من ملوك الحيرة، أكثر من وصف الخيل في شعره، وأجاد وبرع حتى قال أبو عبيدة أنه أوصف الناس للفرس في الجاهلية والإسلام، وقال ابن الأعرابي: لم يصف أحد قط الخيل إلا احتاج إلى أبي دؤاد وقدمه: الخطيئة وأبو الأسود الدؤلي على جميع الشعراء ومع ذلك كانت الرواة - على ما قال الأصمعي - لا تروي شعره ولا شعر عدي بن زيد، لمخالفتهما مذهب الشعراء.
[عدي بن زيد ٤٨٠ - ٥٨٧ م]
[بيت عدي]
هو عدي بن زيد بن حماد، ينتهي نسبه إلى مضر، وكان من بيت مشهور بالكتابة والأدب.
هاجر أجداده من اليمامة إلى الحيرة، ونزلوا على أبناء خؤولتهم فيها، ثم استقروا بها واتصلوا بملوك الحيرة ونالوا جوائزهم.
وتعلم جده حماد الكتابة ونبغ فيها وكان أول من تعلمها من أسرته، وصار كاتب النعمان الأكبر.
ونشأ والده زيد في رعاية أمه الطائية وأبيه حماد ولما توفي حماد كفله صديق له من كبار تجار الفرس وقوادهم.. فتعلم زيد العربية، وأجاد الكتابة وحذق الفارسية وتولى وظيفة في دولة كسرى حيث كان يحمله على البريد في حوائجه وصار من المقربين في دولته كما كان أثيراً لدى المنذر بن ماء السماء الذي ولي عرش الحيرة بعد موت النعمان (٥٠٥-٥٥٤ م) .
[مولده ونشأته]
وولد عدي ونشأ في هذا المجد والجاه وفي ظلال والده ونفوذه، وتعلم العربية والكتابة بها في الكتاب بالحيرة كما تعلم الفارسية والكتابة بها في ديوان كسرى حتى خرج من أفهم الناس وأفصحهم بالعربية ونظم الشعر وتعلم الفروسية ووصف لكسرى بأنه أفصح الناس وأكتبهم بالعربية والفارسية مع الجمال الفائق والذكاء العجيب والبديهة الحاضرة، فأثبته كسرى في ديوانه وكان أول من كتب بالعربية فيه.
[بيئته]
في هذه البيئة العامة، وفي الحيرة عاصمة إمارة المناذرة ولد ونشأ عدي.
وكانت الحيرة إمارة عربية على حدود الجزيرة العربية ومملكة كسرى، وكان أمراؤها خاضعين للنفوذ الفارسي.
وكانت الحيرة كذلك ملتقى للثقافة الفارسية والعربية ومنتدى واسعاً للأدب والشعر، يظللها ألوان من الحضارة والتقاليد الفارسية وكانت النصرانية سائدة فيها كما كان أئمة الشعراء يفدون إليها لينعموا بجوائز المناذرة وصلاتهم السنية وكان ممن قصد إليها النابغة والأعشى وعلقمة وحسان وسواهم.
كما كان تنقل عدي بين البلاد الفارسية سبباً في تنوع ثقافته، وسعة معارفه، وتعدد مشاهده، وكثرة تجاربه، وتباين البيئات التي عاش فيها.
[حياته]
انتقل عدي من الحيرة إلى المدائن حيث كان يعمل كما ذكرنا في ديوان كسرى، يؤذن له عليه في الخاصة، وهو معجب به، قريب منه، كما أصبح له نفوذه عند أمراء الحيرة، فعلا له بذاك صيت عظيم، وذكر كريم.
وكانت إقامته الغالبة في المدائن عاصمة كسرى فإذا أراد المقام بالحيرة في منزله مع أهله استأذن كسرى فأقام فيهم الشهر والشهرين وكثيراً ما كان ينزل البادية قريباً من الحيرة.