نظرت إليك بعين جازئة ... حوراء حانية على طفل
فلها مقلدها ومقتلها ... ولها عليه سراوة الفضل
أقبلت مقتصداً وراجعني ... حلمي وسدد للتقى فعلي
الله أنجدح ما طلبت به ... والبر خير حقيبة الرحل
ومن الطريقة جائر وهدى ... قصد السبيل ومنه ذو دخل
إني لأصرم من يصارمني ... وأجد وصل من ابتغى وصلي
وأخي إخاء ذي محافظة ... سهل الخليقة ماجد الأصل
حلو إذا ما جئت قال ألا ... في الرحب أنت ومنزل السهل
نازعته كأس الصبوح ولم ... أجهل مجدة عذرة الرجل
إني بحبلك واصل حبلي ... وبريش نبلك رائش نبلي
ما لم أجدك على هدى أثر ... يقرو مقصك قائف قبلي
وشمالي ما قد علمت وما ... نبحت كلابك طارقاً مثلي
- ٣٤ - وقال:
جزعت ولم أجزع من البين مجزعا ... وعزيت قلباً بالكواعب مولعا
وأصبحت ودعت الصبا غير أنني ... أراقب خلات من العيش أربعا
فمنهن قولي للندامى ترفقوا ... يداجون نشاجاً من الخمر مترعا
ومنهن ركض الخيل ترجم بالقنا ... يبادرن سرباً آمناً أن يفزعا
ومنهن نص العيس والليل شامل ... تيمم مجهولاً من الأرض بلقعا
خوارج من برية نحو قرية ... يجددن وصلاً أو يقربن مطمعا
ومنهن سوفي الخود قد بلها الندى ... تراقب منظوم التمائم مرضعا
تعز عليها ريبتي ويسوءها ... بكاه فتثنى الجيد أن يتضوعا
بعثت إليها والنجوم طوالع ... حذاراً عليها أن تقوما فتسمعا
فجاءت قطوف المشي هيابة السرى ... يدافع ركناها كواعب أربعا
يزجينها مشي النزيف وقد جرى ... صباب الكرى في مخها فتقطعا
تقول وقد جردتها من ثيابها ... كما رعت مكحول المدامع أتلعا
وجدك لو شيء أتانا رسوله ... سواك ولكن لم نجد لك مدفعا
فبتنا تسد الوحش عنا كأننا ... قتيلان لم يعلم لنا الناس مضرعا
تجافى عن الماثور بيني وبينها ... وتدنى على السايري المضلعا
إذا أخذتها هزة الروع أمسكت ... بمنكب مقدام على الهول أروعا
[علقمة الفحل الشاعر الجاهلي]
[ترجمة الشاعر]
هو علقمة بن عبدة، بن النعمان التميمي، من نجد وسادات تميم وشعرائهم المشهورين المتوفي عام ٥٦١ م.
شب وترعرع في بادية نجد وكان للبيئة أثرها في الشاعر فأرهفت حسه وصقلت خياله وجلت قريحته، وألهمته الشعر الرصين الرائع الديباجة، الفخم الأسلوب الذي يمتلك المشاعر ويستلب الحواس الحقيق بأن يلقب صاحبه بالفحل.
وسبب تلقيبه بهذا اللقب كما يقال -أنه ابن امرأ القيس وخلفه على زوجته بعد تحاكمهما إليها. وتفصيل الخبر أن علقمة ضاف امرأ القيس - وصديقاً له - فتذاكرا القريض، وادعاه كل منهما على صاحبه، ولج في ذلك فقالت لهما "أم جندب" وكانت سليمة الذوق: قولا شعراً تصفان فيه الخيل وتذكران الصيد على قافية واحدة وروى واحد، لأنظر أيكما أشعر فرضيا بحكمها وأنشداها على البديهة قصيدتين كبيرتين وأول قصيدة امرئ القيس:
خليلي مرابي على أم جندب ... لنقضي لبانات الفؤاد المعذب
وأول قصيدة علقمة:
ذهب من الهجران في غير مذهب ... ولم يك حقاً كل هذا التجنب
ولما فرغا من إنشادهما قالت أم جندب لبعلها علقمة أشعر منك. فقال وهو يكاد يتميز من الغيظ: وكيف ذاك؟ قالت لأنك قلت:
فللسوط ألهوب وللساق ذرة ... وللزجر منه وقع أهوج منعب
فزجرت فرسك وجهدته بسوطك ومريته بساقك، وقال علقمة:
فأدركهن ثانياً من عنانه ... يمر كمر الرائح المتحلب
فأدرك الطريدة وهو ثان من عنان فرسه. لم يضربه بسوط ولا مراه بساق، ولا زجره فتزبد وجهه. وقال لها ما هو بأشعر مني ولكنك له وامق وطلقها فخلفه عليها علقمة وسمي لذلك الفحل. ويروى أن علقمة لقب بالفحل تمييزاً له عن سمي من قومه هو علقمة بن سهل أحد بني ربيعة بن مالك التميمي، وكان شاعراً مثله، ومن شعره:
يقول رجال من صديق وصاحب ... أراك أبا الوضاح أصبحت ثاويا
فلن يعدم الباقون قبراً لجثتي ... ولن يعدم الميراث من المواليا