للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما مرتجات على هول مراكبها ... يقطعن بعد المدى سيراً وأمراسا

فقال امرؤ القيس:

تلك النجوم إذا حانت مطالعها ... شبهتها في سواد الليل أقباسا

فقال عبيد:

ما القاطعات لأرض لا أنيس بها ... تأتي سراعاً وما يرجعن أنكاسا

فقال امرؤ القيس:

تلك الرياح إذا هبت عواصفها ... كفى بأذيالها للترب كناسا

فقال عبيد:

ما الفاجعات جهاراً في علانية ... أشد من فيلق ملمومة باسا

فقال امرؤ القيس:

تلك المنايا فما يبقين من أحد ... يأخذن حمقاً وما يبقين أكياسا

فقال عبيد:

ما السابقات سراع الطير في مهل ... لا يشتكين ولو طال المدى باسا

فقال امرؤ القيس:

تلك الجياد عليها القوم مذ نتجت ... كانوا لهن غداة الروع أحلاسا

فقال عبيد:

ما القاطعات لأرض الجو في طلق ... قبل الصباح وما يسوين قرطاسا

فقال امرؤ القيس:

تلك الأماني يتركن الفتى ملكا ... دون السماء ولم ترفع له راسا

فقال عبيد:

ما الحاكمون بلا سمع ولا بصر ... ولا لسان فصيح يعجب الناسا

فقال امرؤ القيس

تلك الموازين والرحمن أرسلها ... رب البرية بين الناس مقياسا

ومما يتصل بشعر امرئ القيس ما يروى من أنه وصل إلى حضرة سيف الدولة رجل من أهل بغداد، وكان ينقر العلماء والشعراء بما لم يدفعه الخصم ولا ينكره الوهم. فتلقاه سيف الدولة باليمن، وأعجب به إعجاباً شديداً، فقال يوماً: أخطأ امرؤ القيس في قوله:

كأني لم أركب جواد اللذة ... ولم أتبطن كاعباً ذات خلخال

ولم أسبأ الزق الروى ولم أقل ... لخيلي كرى كرة بعد إجفال

وهذا معدول عن وجهه ولاشك فيه.

فقيل: وكيف ذلك؟ قال إنما سبيله أن يقول:

كأني لم أركب جواداً ولم أقل ... لخيلي كرى كرة بعد إجفال

ولم أسبأ الزق الروى للذة ... ولم أتبطن كاعباً ذات خلخال

فيقترن ذكر الخيل بما يشاكلها في البيت كله، ويقترن ذكر الشراب واللهو بالنساء؛ ويكون قوله "للذة" في الشرب أطبع منه في الركوب! فبهت الحاضرون، واهتز سيف الدولة، وقال: هذا النهدي وحق أبي!. فقال له بعض الحاضرين من العلماء: أنت أخطأت وطعنت في القرآن إن كنت تعمدت!.

فقال سيف الدولة: وكيف ذلك؟ فقال: قال الله تعالى: إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى، وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى"، وعلى قياسه يجب أن يكون: إن لك أن تجوع فيها ولا تظمأ ولا تعرى فيها ولا تضحى! وإنما عطفه امرؤ القيس بالواو التي لا توجب تعقيباً، ولا ترتب.. فخجل وانقطع!.

[شرح المختار من شعر امرئ القيس]

- ١ - قال امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي من معلقته المشهورة:

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل

لتوضح فالمقراة لم يعف رسمها ... لما نسجتها من جنوب وشمال

ترى بعر الآرام في عرصاتها ... وقيعانها كأنه حب فلفل

كأني غداة البين يوم تحملوا ... لدى سمرات الحي ناقف حنظل

وقوفاً بها صحبي علي مطيهم ... يقولون لا تهلك أسى وتجمل

وإن شفائي عبرة مهراقة ... فهل عند رسم دارس من معول

كدأبك من أم الحريثرث قبلها ... وجارتها أم الرباب بمأسل

ففاضت دموع العين مني صبابة ... على النحر حتى بل دمعي مخملي

ألا رب يوم لك منهن صالح ... ولاسيما يوم بدارة جلجل

ويوم عقرت للعذارى مطيتي ... فيا عجبا من كورها المتحمل

فظل العذارى يرتمين بلحمها ... وشحم كهداب الدمقس المفتل

ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة ... فقالت لك الويلات إنك مرجلي

تقول وقد مال الغبيط بنا معاً ... عقرت بعيري ياامرأ القيس فانزل

فقلت لها سيري وأرخى زمامه ... ولا تبعديني من جناك المعلل

فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع ... فألهيتها عن ذي تمائم مخول

إذا ما بكى من خلفها انصرفت له ... بشق وشقى تحتها لم يحول

ويوماً على ظهر الكثيب تعذرت ... علي وآلت حلفة لم تحلل

أفاطم مهلاً بعض هذا التدلل ... وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

وإن تك قد ساءتك مني خليقة ... فسلي ثيابي من ثيابك تنسل

<<  <   >  >>