وقلت لهارون اذهبا فتظاهرا ... على المرء فرعون الذي كان طاغيا
وقولا له هل أنت سويت هذه ... بلا وتد حتى اطمأنت كما هيا
وقولا له هل أنت رفعت هذه ... بلا عمد أرفق إذن بك بانيا
وقولا له هل أنت سويت وسطها ... منيرا إذا ما جنه الليل ساريا
وقولا من أخرج الشمس بكرة ... فأصبح ما مست من الأرض ضاحيا
وقولا له من أنبت الحب في الثرى ... فأصبح منه البقل يهتز رابيا
فأصبح منه حبه في رؤوسه ... ففي ذاك آيات لمن كان واعيا
- ٥ -
[خصائص شعره]
أولاً، من حيث الأسلوب والألفاظ
يعد أمية من أكبر شعراء القرى العربية على قلة الشعر فيهم، غير أن الذي أزرى بشعره في نظر بعض النقاد حتى أسقطوا الاحتجاج به كثرة استعماله للتدخيل من العبرية والسريانية في شعره، كما أنكروا عليه حق التعريب لشدة مخالطته للأعاجم وإن كان عربياً صريحاً، كما أنكروه على عدي لإدخاله الكثير من ألفاظ الفرس في شعره. قال ابن قتيبة: "واني بألفاظ كثيرة لا تعرفها العرب وكان يأخذها من الكتب، منها قوله: وخان أمانة الديك الغراب. ومنها قوله: قمر وساهور يسيل ويغمد". وزعم أهل الكتاب أن الساهور غلاف القمر يدخل فيه إذا انكسف. وعلماؤنا لا يرون شعره حجة.. وكان أمية يسمي الله في بعض أشعاره "السلطيط" وفي بعضها "التغرور"، وربما اقتبسهما من الحبشية أو صاغهما على صيغ تلك اللغة، فالأحباش يسمون الله في اللغة الأمحرية "أغزابهم" فلعلها كانت قبلا أقرب إلى "التغرور".
ومهما كان فإن في أساليب أمية بل وفي معانيه أشياء لم تكن العرب تعرفها، ولاشك أنه قرأها في بعض الكتب فأدخلها في شعره، وكان أمية يسمي السماء صاقورة وحاقورة. وكان قلق اللفظ سخيف النسج نابي القافية. كل هذا إنما كان في شعر أمية الديني. أما شعره الغير الديني فأرى عليه طلاقة الأسلوب وسهولة اللفظ وعذوبة العبارة وحلاوتها ورقتها وطلاوة البيان. كما في مدائحه لابن جدعان وقصيدته في ابنه وسواهما.
ثانياً، من حيث المعاني والأخيلة
انصرفت قريحة أمية إلى المعاني الدينية فاشتهر بها أمره، واصطبغ بها شعره، فوصف الله عز وجل وذكر الحشر والحساب والجنة والنار والملائكة كما ذكر خلق الأرض والسموات. قال ابن سلام: "وكان أمية كثير العجائب في شعره، يذكر فيه خلق السموات والأرض، ويذكر الملائكة، ويذكر من ذلك ما لم يذكره أحد من الشعراء.
ونظم حوادث التوراة كخراب سدوهم وقصة إسحاق وإبراهيم، وأدخل في الشعر معاني لم يألفها الشعراء، ولم يعرفها العرب، فكان مذهب أمية في شعره غير معهود في عصره، وكان سبباً في أن ينحله العلماء ما جاء على شاكلة تلك المعاني من الشعر ولم يعرفوا قائله، مما كان له أثره في عدم عناية الأدباء والرواة والنقاد بشعره، وإهمالهم له. ويقول الحجاج: "ذهب قوم يعرفون شعر أمية وكذلك اندراس الكلام".
وذكر كثيراً من العجائب والقصص الخيالية والأساطير الخرافية وخلق العالم وفنائه وأحوال الآخرة وصفات الخالق والخشوع له. مما يتخلله شيء من الحكم والأمثال.
ولا شك أن شعر أمية الذي لم يصطبغ بصبغته الدينية يخلو من هذه السمات ويسير الشاعر فيه على نهج الشعراء الجاهليين، من صدق المعنى وبساطته وسذاجته، مع تلون الثقافة فيه إلى حد ما، لثقافة أمية الواسعة. ومع البعد عن الخيال الكاذب والمبالغة المفرطة فيه.
ويأخذ في شعره الكوني والديني من أساليب ومعاني وروح القرآن الكريم كما في قوله من قصيدة:
عند ذي العرش يعرضون عليه ... يعلم الجهل والكلام الخفيا
يوم نأتيه وهو رب رحيم ... إنه كان وعده مأتيا
يوم نأتيه مثل ما قال فردا ... لم يذر فيه راشدا وغويا
أسعيد سعادة أنا أرجو ... أم مهان بما كسبت شقيا
رب كلا حتمته وارد النا ... ر كتابا حتمته مقضيا
إذ لا يتأتى أن يحمل ذلك على المصادفة والاتفاق، ولا على أنه أخذه مما قرأ من الكتب.
ولا شك أن ثقافة أمية الواسعة جعلته يستمد معانيه وأفكاره وأخيلته من كثير من الثقافات والمصادر.
ثالثاً، من حيث أغراض الشعر وفنونه
ويمكننا أن نقسم شعر أمية إلى قسمين:
(أ) شعره في غير الدين