٢ - واتصل أمية أكثر ما اتصل بعبد الله بن جدعان التيمي وهو سيد من سادات قريش، وكان جواداً مضيافاً، وكان أمية كثير المدح له، وكان ابن جدعان يعطيه عطاء جزلا، كما كان يفعل هرم بن زهير.
ومن شعره فيه:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني ... حياؤك إن شيمتك الحياء
وعلمك بالحقوق وأنت فرع ... لك الحسب المهذب والسناء
كريم لا يغيره صباح ... عن الخلق الجميل ولا مساء
تبارى الريح مكرمة ومجدا ... إذا ما الكلب أحجره الشتاء
إذا أثنى عليك المرء يوما ... كفاه من تعرضه الثناء
فأرضك كل مكرمة بناها ... بنو تيم وأنت لها سماء
فهل تخفى السماء على بصير ... وهل بالشمس طالعة خفاء؟
ويقول فيه أيضاً:
عطاؤك زين لامرئ إن حبوته ... يبذل وما كل العطاء يزين
وليس بشين لامرئ بذل وجهه ... إليك كما بعض السؤال يشين
ويقول فيه أيضاً حين صنع ابن جدعان الفالوذ ووضع موائده بالأبطح إلى باب المسجد، ونادى الناس فحضروا وكان هذا أول أكلهم له وحضر أمية فقال:
ومالي لا أحييه وعندي ... مواهب يطلعن من النجاد
له داع بمكة مشمعل ... وآخر فوق دارته ينادي
إلى ردح من الشيزى ملاء ... لباب البر يلبك بالشهاد
إلى آخر هذه الأبيات الطرفة التي تنسب أيضاً إلى أبي الصلت.
هذا وابن جدعان هو عبد الله بن جدعان التيمي. وقد كان من مشاهير الأجواد، وممن سارت بجوده الأمثال في الأقطار والبلاد. وكان يسمى بحاسي الذهب لأنه كان يشرب في إناء من الذهب. وقالوا في المثل أقرى من حاسي الذهب. وكان من قريش، وفيه قال أبو الصلت الثقفي أو ابنه أمية:
له داع بمكة مشمعل وآخر فوق دارته ينادي
إلى ردح من الشيزري ملاء لباب البر يلبك بالشهاد
وكان في ابتداء أمره على ما يروى صعلوكا ترب اليدين، وكان مع ذلك شريرا فاتكأ لا يزال يجني الجنايات فيعقل عنه أبوه وقومه حتى أبغضه عشيرته ونفاه أبوه وحلف لا يؤويه أبداً، فخرج في شعار مكة حائراً ثائراً يتمنى الموت أن ينزل به فرأى شقا في جبل فظن أن فيه حية فتعرض للشق يريد أن يكون فيه ما بقتله فيستريح فلم ير شيئاً فدخل فيه، فإذا فيه ثعبان عظيم له عينان تقدحان كالسراجين، وإذا هو مصنوع من ذهب وعيناه ياقوتتان، فكسره وأخذ عينيه ودخل البيت، فإذا جثث طوال على سرر لم ير مثلهم طولا وعظما، وعند رؤوسهم لوح من فضة تاريخهم وإذا هم رجال من ملوك جرهم وآخرهم موتا الحرث بن مضاض، وإذا عليهم ثياب من وشى لا يمس منها شيء إلا انتثر كالهباء من طول الزمان مكتوب في اللوح عظات. وإذا في وسط البيت كوم عظيم من الياقوت واللؤلؤ والذهب والفضة والزبرجد فأخذ منه ما أخذتم علم على الشق بعلامة، وأغلق بابه بالحجارة وأرسل إلى أبيه بالمال الذي خرج منه يسترضيه ويستعطفه ووصل عشيرته كلهم فسادهم وجعل ينفق من ذلك الكنز، ويطعم الناس ويفعل المعروف وفي القاموس، وربما كان يحضر النبي صلى الله عليه وسلم طعامه. وكانت له جفنة يأكل منها القائم والراكب لعظمها، بل كانت جفنته يأكل منها الراكب على البعير، وسقط فيها صبي فغرق ومات. وعبد الله بن جدعان تيمي يكنى أبا زهير، وهو ابن عم عائشة رضي الله تعالى عنها. ولذلك قالت يا رسول الله إن ابن جدعان كان يطعم الطعام ويقري الضيف ويفعل المعروف، فهل ينفعه ذلك يوم القيامة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لا إنه لم يقل يوماً رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين. وكان ابن جدعان ممن حرم الخمر في الجاهلية بعد أن كان بها مغرى وذلك أنه سكر ليلة فصار يمد يديه ويقبض على ضوء القمر ليأخذه، فضحك منه جلساؤه فأخبر بذلك حين صحا فحلف أن لا يشربها أبدا. فلما كبر وهرم أراد بنو تميم أن يمنعوه من تبذير ماله ولاموه في العطاء فكان يدعو الرجل فإذا دنى منه لطمه لطمة خفيفة ثم يقول له: قم فأنشد لطمتك واطلب ديتك فإذا فعل ذلك أعطته بنو تميم من مال ابن جدعان.
- ٢ -
[شعر أمية]
[أهم الدراسات عن أمية وشعره]
١ - كتب عن أمية ابن سلام في طبقات الشعر وابن قتيبة الشعر والشعراء وذكره الأغاني والمرزباني والدميري وصاحب خزانة الأدب، وابن رشيق في العمدة.