ونحن إذا الخيل زايل بينها ... من الطعن نشاج مخل ومزعف
وجالت عذارى الحي شتى كأنها ... توالى صوان والأسنة ترعف
ولم يحم فرج الحي إلا ابن حرة ... وهم الدعاء المرهق المتلهف
ففئنا غداة الغب كل نقيذة ... ومنا الكمي الصابر المتعرف
وكارهة قد طلقتها رماحنا ... وأنقذنها والعين بالماء تذرف
نرد النجيب في حيازيم غصة ... على بطل غادرنه وهو مزعف
- ١٨ - وقال أيضاً:
وركوب تعزف الجن به ... قبل هذا الجيل من عهد أبد
وضباب سفر الماء بها ... غرقت أولاجها غير السدد
فهي موتى لعب الماء بها ... في غثاء ساقه السيل عدد
قد تبطنت بطرف هيكل ... غير مرباء ولا جأب مكد
قائداً قدام حي سلفوا ... غير أنكاس ولا وغل رفد
نبلاء السعي من جرثومة ... تترك الدنيا وتنمى للبعد
يزعون الجهل في مجلسهم ... وهم أنصار ذي الحلم الصمد
حبس في المحل حتى يفسحوا ... لابتغاء المجد أو ترك الفند
سمحاء القفر، أجواد الغنى ... سادة الشيب، مخاربق المرد
[عنترة العبسي]
[ترجمة الشاعر]
- ١ - عنترة بن شداد العبسي أحد شعراء العرب وفرسانهم وأبطالهم ومن أصحاب المعلقات.
أمه كانت أمة حبشية يقال لها زبيبة، وكان لعنترة أخوة من أمه عبيد وكان هو عبداً أيضاً لأن العرب كانت لا تعترف ببني الإماء إلا إذا امتازوا على أكفائهم ببطولة أو شاعرية أو سوى ذلك.
ولكن عنترة سرعان ما اعترف أبوه به لبسالته وشجاعته، وكان السبب في ذلك أن بعض أحياء العرب أغاروا على بني عبس فأصابوا منهم فتبعهم العبسيون فلحقوهم فقاتلوهم وفيهم عنترة، فقال له أبوه: كر يا عنترة. فقال له: العبد لا يحسن الكر إنما يحسن الحلاب والصر. فقال: كر وأنت حر. فكر وقاتل يومئذ فأبلى واستنقذ ما في أيدي القوم من الغنيمة، فادعاه أبوه بعد ذلك.
وعنترة أحد أغربة العرب، وهم ثلاثة: عنترة وأمه سوداء، وخفاف بن ندبة السلمى وأبوه عمير وأمه سوداء وإليها نسب، والسليك بن السلطة السعدي.
وكان عنترة من أشجع الفرسان وأجود العرب بما ملكت يداه وكان لا يقول من الشعر إلا البيتين والثلاثة حتى سابه رجل فذكر سواده وسواد أمه وأنه لا يقول الشعر. فقال عنترة: والله إن الناس ليترافدون الطعمة فما حضرت أنت ولا أبوك ولا جدك مرفد الناس وإن الناس ليدعون في الغارات فيعرفون بتسويمهم فما رأيتك في خيل مغيرة في أوائل الناس قط، وإن اللبس ليكون بيننا فما حضرت أنت ولا أبوك ولا جدك خطة فصل، وإني لأحضر اللبس وأوفي المغنم وأعف عند المسألة وأجود بما ملكت يدي وأفصل الخطة الصماء وأما الشعر فستعلم، فكان أول ماقاله معلقته المشهورة:
هل غادر الشعراء من متردم ... أم هل عرفت الدار بعد توهم؟
وحضر عنترة حرب داحس والغبراء وحسن فيها بلاؤه وحمدت مشاهده وعاش طويلاً حتى كبر ومات نحو سنة ٦١٥ م.
وقد عشق عنترة في شبابه بنت عمه عبلة وكان ذلك قبل أن يحرره أبوه ويدعيه فأبى عمه أن يزوجه ابنته وهو عبد فحفزه ذلك للمعال وعظائم الأمور وهاج ذلك من شاعريته فاجتمع له الشعر السلس القوي والشجاعة النادرة والمروءة المأثورة.
وكان عنترة ينوه عن نسبه في شعره، من ذلك قوله:
إني امرؤ من خير عبس منصبا ... شطري واحمي سائري بالمنصل
وإذا الكتيبة أحجمت وتلاحظت ... ألفيت خيراً من معمم مخول
وقضى عنترة كل عمره في الحروب والقتال وقول الشعر فصارت العرب تعده من فحول أبطالها وأخذت تروى عند النوادر والأحاديث ومازالت الرواية بذلك تنتقل من جيل إلى آخر ويزداد فيها حتى صارت مع الزمان رواية كبيرة كتبت أخيراً وتعرف الآن بقصة عنترة بن شداد العبسي ويلتذ بقراءتها إلى الآن كثيرون من أهالي الشام ومصر.
- ٢ - ويمتاز شعر عنترة بعذوبة الأسلوب وسهولة اللفظ ورقة المعنى ومعلقته من أجمل المعلقات وأكثرها انسجاماً وأبدعها وصفا وأشدها حماسة وفخراً وله حلاوة الغزل ومتانة الفخر، وديوانه مطبوع ولكن أكثره منحول عليه..
ومما سبق إليه ولم ينازع فيه قوله:
إني امرؤ من خير عبس منصبا ... شطري وأحمي سائري بالمنصل