وكانت امرأة من العرب من بنات ملوك اليمن ذات جمال وكمال، وحسب ومال، فآلت ألا تزوج نفسها إلا من كريم، ولئن خطبها لئيم لتجد عن أنفه، فتحاماها الناس حتى انتدب إليها زيد الخيل، وحاتم بن عبد الله، وأوس بن حارثة الطائيون، فاتحلوا إليها.
فلما دخلوا عليها قالت مرحبا بكم، ما كنتم زوارا، فما الذي جاء بكم؟ قالوا: جئنا زوارا خطابا، قالت أكفاء كرام، ثم أنزلتهم وفرقت بينهم وأسبغت لهم القرى، وزادت فيه.
فلما كان اليوم الثاني بعثت بعض جواريها متنكرة في زي سائلة تتعرض لهم، فرفع إليها زيد وأوس شطر ما حمل إلى كل واحد منهما، فلما صارت إ لى رحل حاتم دفع إليها جميع ما كان من نفقته، وحمل إليها جميع ما حمل إليه.
فلما كان اليوم الثالث دخلوا عليها، فقالت ليصف كل واحد منكم نفسه في شعره، فابتدر زيد وأنشأ يقول:
هلا سألت بني ذبيان ما حسبي ... عند الطعان إذا ما احمرت الحدق
وجاءت الخيل محمرا بوادرها ... بالماء يسفح من لباتها العلق
والجار يعلم أني لست خاذلة ... إن ناب دهر لعظم الجار معترق
هذا الثناء، فإن ترضى فراضية ... أو تسخطي فإلى من تعطف العنق؟
وقال أوس بن حارثة: إنك لتعلمين أنا أكرم أحسابا، وأشهر أفعالا من أن نصف أنفسنا لك، أنا الذي يقول فيه الشاعر:
إلى أوس بن حارثة بن لأم ... ليقضي حاجتي ولقد قضاها
فما وطئ الحصا مثل ابن سعدى ... ولا لبس النعال ولا احتذاها
وأنا الذي عقت عقيقته، وأعتقت عن كل شعرة فيها عنه نسمة، ثم أنشأ يقول:
فإن تنكحي ماوية الخير حاتما ... فما مثله فينا ولا في الأعاجم
فتى لا يزال الدهر أكبر همه ... فكاك أسير أو معونة غارم
وإن تنكحي زيدا ففارس قومه ... إذا الحرب يوماً أقعدت كل قائم
وإن تنكحيني تنكحي غير فاجر ... ولا جارف جرف العشيرة هادم
ولا متق يوماً إذا الحرب شمرت ... بأنفسها نفسي كفعل الأشائم
وإن طارق الأضياف لاذ برحله ... وجدت ابن سعدى للقرى غير عائم
فأي فتى أهدى لك الله فاقبلي ... فإنا كرام من رؤوس أكارم
وأنشأ حاتم يقول:
أماوي قد طال التجنب والهجر ... وقد عذرتني في طلابكم عذر
أماوي إن المال غاد ورائح ... ويبقى من المال الأحاديث والذكر
أماوي إني لا أقول لسائل ... إذا جاء يوماً: حل في مالنا النزر
أماوي إما مانع فمبين ... وإما عطاء لا ينهنهه الزجر
أماوي ما يغني الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر
أماوي إن يصبح صداي بقفرة ... من الأرض لا ماء لدي ولا خمر
ترى إن ما أنفقت لم يك ضائري ... وأن يدي مما بخلت به صفر
أماوي إني رب واحد أمه ... أخذت فلا قتل عليه ولا أسر
وقد علم الأقوام لو أن حاتماً ... أراد ثراء المال كان له وفر
أماوي إن المال مال بذلته ... فأوله شكر وآخره ذكر
وإني لا آلو بمالي صنيعة ... فأوله زاد وآخره ذخر
يفك به العاني ويؤكل طيبا ... وما إن يعريه القداح ولا القمر
ولا أظلم ابن العم إن كان إخوتي ... شهوداً وقد أودى بإخوته الدهر
غنينا زمانا بالتصعلك والغنى ... وكلا سقاناه بكأسيهما الدهر
فما زادنا بأواً على ذي قرابة ... غنانا، ولا أزرى بأحسابنا الفقر
وما ضر جاراً ياابنة القوم فاعلمي ... يجاورني ألا يكون له ستر
بعيني عن جارات قومي غفلة ... وفي السمع مني عن أحاديثها وقر
فقالت أما أنت يا زيد فقد وترت العرب، وبقاؤك مع الحرة قليل، وأما أنت يا أوس فرجل ذو ضرائر، والدخول عليهن شديد، وأما أنت يا حاتم فمرضي الأخلاق، محمود الشيم، كريم النفس، وقد زوّجتك نفسي.
[شعراء النسيب في العصر الجاهلي]
وهم كثيرون ومنهم: المرقش الأكبر ٥٥٢ م، وعبد الله بن العجلان ٥٦٦ م، ومالك، وعنترة، ومسعود بن خراشة التميمي وقد أدرك الإسلام، ومنظور بن زبان الفزاري.
ولهم شعر رائع وقصائد كثيرة قصروها على الغزل وحده كما في قصيدة المرقش الأكبر: سرى ليلا خيال سليمى.