وقد نحا أمية فيه منحى الشعراء في الأغراض والمعاني والأسلوب: ١ - فنظمه في المديح، كما في مدائحه السابقة لابن جدعان التي يظهر عليها روح الشاعرية ومواهبها العالية القوية الأخاذة المندفقة.
٢ - ونظمه في الرثاء، ومن ذلك قصائد له كثيرة، منها قوله يرثي زمعة بن الأسود وأخاه عقيلا من بني أسد:
عين بكى بالمسبلات أبا الحا ... رث لا تذخري على زمعة
وعقيل بن أسود أسد البأ ... س ليوم الهياج والدقعة
فعلى مثل هلكهم حوت الجو ... زاء لا خانة ولا خدعة
وهم الأسرة الوسيطة من كع ... ب وفيهم كذروة القمعة
أنبتوا من معار سعر الرأ ... س وهم ألحقوهم المنعة
فبنو عمهم إذا حضر البأ ... س عليهم أكبادهم وجعة
وهم المطعمون إذا أقحط القط ... ر، وحالت فلا ترى قزعة
وقال يرثي قتلى بدر وفيهم عتبة وشيبة ابنا خاله:
ألا بكيت على الكرا ... م بني الكرام أولى الممادح
كبكا الحمام على فرو ... ع الأيك في الغصن الجوانح
يبكين حرى مستكي ... نات يرحن مع الروائح
مثالهن الباكيا ... ت المعولات من النوائح
من يبكهم يبكي على ... حزن ويصدق كل مادح
أولا ترون لما أرى ... ولقد أبان لكل لامح
أن قد تغير بطن مك ... ة فهي موحشة الأباطح
من كل بطريق لبط ... ريق نفى اللون واضح
ومن السراطمة الخلا ... جمة الملاوثة المناجح
القائلين الفاعل ... ين الآمرين بكل صالح
المطعمين الشحم فو ... ق الخبز شحما كالأنافح
لكرامهم فوق الكرا ... م مزية وزن الرواجح
كتثاقل الأرطال بال ... قسطاس في الأيدي النوافح
خذلتهم فئة وهم ... يحمون عورات الفضائح
ولقد عناني صوتهم ... من بين مستسق وصائح
لله در بني علي ... أيم منهم وناكح
إن لم تغيروا غارة ... شعواء تجحر كل نابح
بالمقربات المبعدا ... ت الطامحات مع الطوامح
٢ - الفخر: كانت مادة الفخر أمام أمية كثيرة لمجد بيت أبيه من ثقيف وبيت أمه من عبد شمس، وكان قوله فيه فائقا بالغا وإن كان مقلا، ولعل إقلاله في هذا الباب ناشئ كما يقول السباعي بيومي من ميله إلى الناحية الدينية التي تزهد الإنسان في مفاخر هذه الحياة، ولذا يغلب أن تكون مجمهرته في الفخر قد قيلت قبل أن يتوغل في الورع والتدين، وهي حافلة بماله ولقومه من مكانة وعلاء. وقد جاءت متفقة مع معلقة ابن كلثوم وزناً ورويا ومتحدة معها في كثير من المعاني والأساليب لما فيه طبع أمية من ميل إلى السهل النازع إليه عمرو دون غيره من رجال المعلقات، ومنها:
فإما تسألي عني لبيني ... وعن نسبي أخبرك اليقينا
ثقي أني النبيه أبا وأما ... وأجداد سموا في الأقدمينا
ورثنا المجد عن كبرى نزار ... فأورثنا مآثرنا البنينا
وأرصدنا لريب الدهر جردا ... تكون متونها حصنا حصينا
وسيأتي تحليل لها.
٤ - ونظم الشعر في الوصف المعنوي لا الحسي، كما في قصيدته في عقوق ابنه، وهو بذلك يخالف جميع شعراء الجاهلية الذين عنوا بمظاهر الصحراء الحسية ووصفها، أما الوصف الحسي فليس له وجود في شعر أمية الذي نظمه في غير الكونيات وشؤون الدين ولكنه كثير جداً في شعره الديني وإن كان هذا الوصف الحسي لا يتناول الصحراء ومشاهدها وإنما يتناول الكون والسماء والأرض ووصف الحياة نفسها.
[(ب) شعره الديني]
وهو كثير ويغلب على شعر أمية وقد نظمه في أغراض كثيرة منها: ١ - القصص كما في وصفه لسفينة نوح وأسطورة تطويق الحمامة التي دلت أصحاب السفينة على الأرض اليابسة فأعطوها هذا الطوق وكما في قصيدته في ذكر إبراهيم ونذره ولده لله وما كان من حديث الذبح وكما في ذكره لقصة مريم وذكره لخراب سدوم وهي مدينة لوط وما وقع له مع قومه. وكما في قصيدته في غارة الأحباش على الكعبة وإشارته إلى قصة الفيل، وكما في كلامه عن قنزعة الهدهد وخرافة الديك والغراب وصداقتهما القديمة وقصة ثمود ورسالة موسى وهرون، إلى غير ذلك من قصصه وأساطيره.