٣ - وعلى أي حال، فعلى شعره رونق الحسن وطلاوة الأسلوب والبراعة في وصف الخمر والإجادة مع الطول.
ولقوة طبعه وجلبة شعره سمي صناجة العرب حتى ليخيل إليك إذا أنشدت شعره أن آخر ينشده معك. ولجلالة شعر الأعشى وأثره بين العرب كان يرفع الوضيع الخامل وتضع الخامل الشريف.
ومن شعره قصيدته التي مدح بها الرسول صلى الله عليه وسلم، ويعدها بعضهم من المعلقات، ومطلعها:
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا ... وبت كما بات السليم مسهدا
وما ذاك من عشق النساء وإنما ... تناسيت قبل اليوم حلة مهددا
ولكن أرى الدهر الذي هو خائن ... إذا أصلحت كفاي عاد فأفسدا
شباب وشيب وافتقار وثروة ... فلله هذا الدهر كيف ترددا
فآليت لا أرثي لها من كلالة ... ولا من حفي حتى تلاقي محمدا
متى ما تناخى عند باب ابن هاشم ... تراحى وتلقى من فواضله ندى
نبي يرى مالا يرون وذكره ... أغار لعمري في البلاد وأنجدا
له صدقات ما تغب ونائل ... وليس عطاء اليوم يمنعه غدا
ومن شعر الأعشى قصيدته اللامية المعروفة التي يقول منها:
صدت هريرة عنا ما تكلمنا ... جهلاً بأم خليد حبل من تصل؟
أئن رأت رجلاً أعشى أضربه ... ريب المنون ودهر مفند خبل
قالت هريرة لما جئت زائرها: ... ويلي عليك وويلي منك يا رجل
إما ترينا حفاة، لا نعال لنا ... إنا كذلك ما نحفى وننتعل
وقد أقود الصبا يوما، فيتبعني ... وقد يصاحبني ذو الشرة الغزل
وقد غدوت إلى الحانوت يتبعني ... شاو مشل شلوب شلشل شول
في فتية كسيوف الهند قد علموا ... أن هالك كل من يحفى وينتعل
نازعتهم قضب الريحان متكئا ... وقهوة مزة رواوقها خضل
لا يستفيقون منها، وهي راهنة ... إلا بهات وإن علوا وإن نهلوا
يسعى بها ذو زجاجات له نطف ... قلص أسفل السربال معتمل
ومستجيب تخال الصنج يسمعه ... إذا ترجع فيه القينة الفضل
والساحبات ذيول الربط آونة ... والرافلات على أعجازها العجل
من كل ذلك يوم قد لهوت به ... وفي التجارب طول اللهو والغزل
أبلغ يزيد بني شيبان مألكة ... أبا ثبيت أما تنفك تأتكل
ألست منتهياً عن نحت أثلتنا ... ولست ضائرها ما أطت لأبل
كناطع صخرة يوماً ليوهنها ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
تغرى بنا رهط مسعود وإخوته ... يوم اللقاء، فتردى، ثم تعنزل
لا أعرفنك إن جدت عداوتنا ... والتمس النصر منكم عوض تحتمل
نلحم أبناء ذي الجدين إن غضبوا ... أرماحنا، ثم تلقاهم، وتعتزل
لا تقعدون، وقد أكلتها حطبا ... تعوذ من شرها يوماً وتبتهل
سائل بني أسد عنا، فقد علموا ... أن سوف يأتيك من أنبائنا شكل
واسأل قشيرا وعبد الله كلهم ... واسأل ربيعة عنا كيف نفتعل
إنا نقاتلهم حتى نقتلهم ... عند اللقاء، وإن جاروا وإن جهلوا
قد كان في آل كهف إن هم احتربوا ... والجاشرية من يسعى وينتضل
إني لعمر الذي خطت مناسمها ... تخدى، وسيق إليه الباقر الغيل
لئن قتلتم عميدا لم يكن صددا ... لنقتلن مثله منكم، فنمتثل
لئن منيت بنا عن غب معركة ... لا تلفنا عن دماء القوم ننفتل
لا تنتهون، ولن ينهى ذوي شطط ... كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل
[السموأل بن عاديا]
كان السموءل يهودياً مشهوراً بالوفاء وهو صاحب الحصن المعروف بالأبلق، كانت العرب تنزل فيه فيضيفها، وبالسموءل يضرب المثل في الوفاء. يقال أوفى من السموءل، لأنه فضل قتل ابنه على التفريط في أمانة أودعها عنده امرؤ القيس لما سار إلى الشام يريد قيصر، وكانت الأمانة أدرعا وفي ذلك يقول السموءل:
وفيت بأدرع الكندي إني ... إذا ما خان أقوام وفيت
وأوصى عاديا يوما بأن لا ... تهدم يا سموءل ما بنيت
بني لي عاديا حصنا حصينا ... وماء كلما شئت استقيت
ومن أشعاره المعروفة قصيدة يمدح بها قومه، أوردها أبو تمام في كتاب الحماسة، مطلعها:
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه ... فكل رداء يرتديه جميل