ولنعم حشو الدرع أنت إذا ... دعيت نزال ولج في الذعر
وأراك تفري ما خلقت وبع ... ض القوم يخلق ثم لا يفري
أثنى عليك بما علمت وما ... سلفت في النجدات من ذكر
والستر دون الفاحشات ولا ... يلقاك دون الخير من ستر
ولما مات هرم رثاه زهير بقصيدته:
إن الرزية لا رزية مثلها ... ما تبتغي غطفان يوم أضلت
إن الركاب لتبتغي ذا مرة ... بجنوب نخل إذا الشهور أحلت
ينعين خير الناس عند شديدة ... عظمت مصيبته هناك وجلت
ولنعم حشو الدرع كان إذا سطا ... نهلت من العلق الرماح وعلت
وأولى قصائده معلقته التي مطلعها:
أمن أم أو في دمنة لم تكلم ... بحومانة الدراج فالمتثلم
وهي في تسعة وخمسين بيتاً وموضوعها إطراء الصلح بين عبس وذبيان ومدح هرم والحارث بن عوف لقيامهما بهذا العمل الجليل.
- ٥ - وقد ظهر منذ حين شرح لديوان زهير بن أبي سلمى، ويهو يقع في نحو ٤٦٠ صفحة من القطع الكبير، وطبع بمطبعة دار الكتب المصرية - وللديوان قصة فإنه منذ سنوات أتيح للمستشرق المعروف الأستاذ أوجست فيشر الاطلاع على مخطوط قديم بمكتبة الجمعية الألمانية الشرقية بمدينة هلة، شرح فيه مصنفه ديوان الشاعر الجاهلي الكبير زهير بن أبي سلمى المزني وديوان ولده كعب. ويمتاز هذا المخطوط بأنه نسخة ديوان زهير فيه أقدم نسخه المعروفة جميعاً، إذ يرجع تاريخها إلى سنة ٥٣٣ هجرية، كما أن ديوان كعب فريد لا يعرف له نسخة ثانية. ويقول الأستاذ فيشر في وصفه إنه مخطوط بقلم لغوي يدير، يندر أن تفوته غلطة، كتبه بخط واضح كامل الشكل، ومما يذكر أن هذا المخطوط كان قد عثر عليه الأستاذ ألبرت سوتسن في زيارة له لدمشق ١٧٨٣، وآلت ملكيته إلى الجمعية الألمانية بعد وفاته وليس زهير في حاجة إلى تعرف، فهو أحد ثلاثة كانوا أقطاب الشعر في الجاهلية والمقدمين على سائر الشعراء. وكان يسمي قصائده المطولة "الحوليات" لكثرة ما يعود إليها بالنظر والتروية والتنقيح، حتى كان الأصمعي يقول "زهير والحطيئة وأشباههما من الشعراء عبيد الشعر لأنهم نقحوه ولم يذهب فيه مذهب المطبوعين".
ورغم مكانة زهير هذه، فإن ديوانه لم يطبع غير مرة واحدة منذ قرابة نصف قرن، وكانت الحاجة ماسة لذلك، إلى إعادة نشره من جديد على طريقة التحقيق العلمي الحديث.. وهذلت ما تكفلت به الطبعة التي بين أيدينها.
ورواية زهير وشارحه في هذه الطبعة هو الإمام أبو العباس أحمد بن يحيى بن زيد الشيباني المعروف بثعلب اللغوي الكوفي الحجة. وقد كان كما يقول عنه القطربلي "من الحفظ والعلم وصدق اللهجة والمعرفة بالغيب ورواية الشعر القديم ومعرفة النحو على مذهب الكوفيين على ما ليس عليه أحد" ووصفه المبرد بأنه "أعلم الكوفيين" على رغم ما كان بينهما من تنافس ونزاع. وذكر له ابن النديم اثنين وعشرين كتاباً في النحو والأدب واللغة، من أشهرها كتاب الفصيح المعروف باسمه. وله شرح على ديوان الأعشى نشره المستشرق رودلف جيد، وشرح ديوان زهير الذي نحن بصدده، وقد تواتر الإجماع بروايته له في سائر نسخ الديوان المعروفة بغير شك أو خلاف. أما شرح ديوان كعب فالمحقق الأوجه لنسبته لثعلب. ويقطع الأستاذ فيشر بأنه للسكري اللغوي البصري (المتوفي سنة ٢٧٥هـ) .. ويرجح ذلك عنده ما ورد في نهاية المخطوط حيث ذكر ناسخه بعد الفراغ من شعر كعب: "تم شعر كعب في رواية السكري"، ثم ما ورد في رواية بعض القصائد مما يغلب أن يكون رواية من غير أهل الكوفة.
[المختار من شعر زهير]
- ١ - قال زهير بن أبي سلمى:
أمن أم أوفى دمنة لم تكلم ... بحومانة الدراج فالمتثلم
ودار لها بالرقمتين كأنها ... مراجيع وشم في نواشر معصم
بها العين والآرام يمشين خلفة ... وأطلاؤها ينهضن من كل محثم
وقفت بها من بعد عشرين حجة ... فلأياً عرفت الدار بعد توهم
أثافي سفعاً في معرس مرجل ... ونؤياً كجذم الحوض لم يتثلم
فلما عرفت الدار قلت لربعها ... ألا انعم صباحاً أيها الربع واسلم
تبصر خليلي هل ترى من ظعائن ... تحملن بالعلياء من فوق جرثم
علون بأنماط عتاق وكلة ... وراد حواشيها مشاكهة الدم