للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال ابن الأعرابي كان حاتم من شعراء الجاهلية، وكان جواداً يشبه جوده شعره، ويصدق قوله فعله، وكان حيثما نزل عرف منزله، وكان مظفراً إذا قاتل غلب، وإذا غنم أنهب، وإذا ضرب بالقداح فاز، وإذا سابق سبق، وإذا أسر أطلق. وكان إذا أهل رجب نحر في كل يوم عشرة من الإبل وأطعم الناس واجتمعوا عليه، وكان أول ما ظهر من جوده أن أباه خلفه في إبله وهو غلام، فمر به جماعة من الشعراء، فيهم عبيد بن الأبرص، وبشر بن أبي خازم، والنابغة الذبياني، يريدون النعمان بن المنذر، فقالوا هل من قرى؟ ولم يعرفهم. فقال أتسألوني القرى وقد رأيتم الإبل والغنم، انزلوا فنزلوا فنحر لكل واحد منهم، وسألهم عن أسمائهم، فأخبروه ففرق فيهم الإبل والغنم، وجاء أبوه فقال: ما فعلت؟ قال طوقتك مجد الدهر طةق الحمامة وعرفه القضية، فقال أبوه إذا لا أساكنك بعدها أبدا ولا آويك. فقال حاتم: إذا لا أبالي.

ومن حديثه، أنه خرج في الشهر الحرام يطلب حاجة، فلما كان بأرض عنزة ناداه أسير لهم: يا أبا سفانة أكلني الاسار والقمل. فقال: ويحك ما أنا في بلاد قومي وما معي شيء، وقد أسأت بي إذ نوهت باسمي ومالك مترك، ثم ساوم به العنزيين واشتراه منهم فخلاه وأقام مكانه في قيده حتى أتى بفدائه فأداه إليهم.

وحدثت ماوية امرأة حاتم أن الناس أصابتهم سنة فأذهبت الخف والظلف فبتنا ذات ليلة بأشد الجوع فأخذ حاتم عديا وأخذت سفانة فعللناهما حتى ناما، ثم أخذ يعللني بالحديث لأنام، فرققت لما بعد من الجهد فأمسكت عن كلامه لينام ويظن أني نائمة، فقال لي أنمت مراراً فلم أحبه، فسكت ونظر من وراء الخباء فإذا شيء قد أقبل فرفع رأسه، فإذا امرأة تقول: يا أبا سفانة قد أتيتك من عند صبية جياع. فقال أحضريني صبيانك فوالله فأشبعنهم. قالت: فقمت سريعاً فقلت بماذا يا حاتم فوالله ما نام صبيانك من الجوع إلا بالتعليل، فقام إلى فرسه فذبحه ثم أجج ناراً وقال اشتوى وكلي وأطعمي ولدك. وقال لي أيقظي صبيتك فأيقظتهم، ثم قال والله إن هذا للؤم أن تأكلوا وأهل الصرم حالهم كحالكم فجعل يأتي الصرم بيتاً بيتاً ويقول: عليكم النار فاجتمعوا وأكلوا وتقنع بكسائه وقعد ناحية حتى لم يوجد من الفرس على الأرض قليل ولا كثير ولم يذق منه شيئا.

- ٢ - ولحاتم الطائي شعر كثير وهو من البلاغة بمكان، والمذكور في ديوانه بعض منه ومن شعره يخاطب امرأته ماوية بنت عبد الله:

أيا ابنة عبد الله وابنة مالك ... ويا ابنة ذي البردين والفرس الورد

إذا ما صنعت الزاد فالتمس له ... أكيلا فإني لست آكله وحدي

أخا طارقا أو جار بيت فإنني ... أخاف مذ مات الأحاديث من بعدي

وإني لعبد الضيف مادام ثاويا ... وما في إلا تلك من شيمة العبد

عني بذي البردين عامر بن أحيمر بن بهدلة. وكان من حديث البردين حين لقب به أن الوفود اجتمعت عند المنذر بن ماء السماء وهو المنذر بن امرئ القيس، وماء السماء قيل أمه، نسب إليها لشرفها، وقيل لقبت بماء السماء لصفاء نسبها ويقال لنقاء لونها، ويراد أنها كماء السماء لم يحتمل كدورة. وأخرج المنذر بردين يوما يبلو الوفود، وقال ليقم أعز العرب قبيلة فليأخذهما، فقام عامر بن أحيمر فأخذهما وائتزر بأحدهما وارتدى بالآخر. فقال له المنذر: أأنت أعز العرب قبيلة؟ قال العز والعدد في معد، ثم في نزار ثم في مضر، ثم في خندف ثم في تميم، ثم في سعد ثم في كعب، ثم في عوف، ثم في بهدلة، فمن أنكر هذا فلينافرني. فسكت الناس، فقال المنذر هذه عشيرتك كما تزعم فكيف أنت في أهل بيتك وفي نفسك؟ فقال أنا أبو عشرة وأخو عشرة وخال عشرة، وعم عشرة، وأما أنا في نفسي فشاهد العز شاهدي ثم وضع قدمه على الأرض فقال: من أزالها عن مكانها فله مائة من الإبل؟ فلم يقم إليه أحد من الحاضرين، ففاز بالبردين.

ومن شعر حاتم أيضاً قوله:

وعاذلة قامت علي تلومني ... كأني إذا أعطيت مالي أضيمها

أعاذل أن الجود ليس بمهلكي ... ولا مخلد النفس الشحيحة لومها

وتذكر أخلاق الفتى وعظامه ... مغيبة في اللحد بال رميمها

ومن يبتدع ما ليس من خيم نفسه ... يدعه ويغلبه على النفس خيمها

ومن ذلك قوله أيضاً:

أكف يدي عن أن ينال التماسها ... أكف أصحابي حين حاجتنا معا

<<  <   >  >>