امرؤ القيس أسبق شعراء العربية إلى ابتداع المعاني والتعبير عنها، افتتح أبواباً من الشعر ووفق إلى تشبيهات وطوق موضوعات لم يسبق إليها. ففتح باب الغزل وأطال الوصف، وأمعن فيه، وأبدع تصويره هذا إلى لفظ جزل موجز. وسبك محكم يتخلله مثل مرسل، وحكمة بالغة.
وكان شعره مرآة لحياته، وتاريخ قومه. فقد ذكرنا أنه كان لاهياً مولعاً بالشراب. فكذلك كان شعره في شبابه صورة لحياته.
يمثل شعره حياته وترفه في بدء شبابه. فقد كان يخرج إلى الصيد بالطهاة يطهون له ولصحبه ما يصيد:
وظل طهاة اللحم ما بين منضج ... صفيف شواه أو قدير معجل
حتى إذا انتهت حياة اللهو والترف وحمل عبء أبيه كان شعره صورة لآماله:
فلو أن ما أسعى لأدنى معيشة ... كفاني، ولم أطلب، قليل من المال
ولكنما أسعى لمجد مؤثل ... وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي
وهو يصف حزنه على أبيه. وتهديده لقتلته بني أسد:
تطاول ليلك بالأثمد ... ونام الخلى ولم ترقد
وبات وباتت له ليلة ... كليلة ذي العائر الأرمد
وذلك من نبأ جاءني ... وخبرته عن أبي الأسود
ولو عن نثا غيره جاءني ... وجرح اللسان كجرح اليد
لقلت من القول ما لايزا ... ل يؤثر عني يد المسند
فإن تدفنوا الداء لا نخفه ... وإن تبعثوا الحرب لا تقعد
وإن تقتلونا نقتلكمو ... وإن تقصدوا لدم نقصد
وأعددت للحرب وثابة ... جواد المحثة والمرود
وهو يتردد في القبائل يتصرخها، يمدح من نصره، ويذم من خذله، فيمدح سعد بن ضباب الإيادي. وكان قد نزل به فأنجده:
سأشكرك الذي دافعت عني ... وما يجزيك مني غير شكري
فما جاء بأوثق منك جاراً ... ونصرك للفريد أعز نصر
ويهجو سبيع بن عوف:
أبلغ سبيعاً إن عرضت رسالة ... إني كظنك إن عشوت أمامي
أقصر إليك من الوغيد فإنني ... مما ألاقي لا أشد حزامي
ثم هو يذهب إلى قيصر فيصف ذلك في شعره:
بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه ... وأيقن أنا لاحقان بقيصرا
فقلت له لا تبك عينك إنما ... نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا
وهكذا كان شعره صورة لما روي من حياته.
وأشهر شعره معلقته، ومطلعها:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل
وتقع في واحد وثمانين بيتاً. وقد نظمها في أيام شبابه ولهوه وموضوعها الغزل في بنت عمه عنيزة.
وله مطولات أخرى ذكرت في ديوانه وهو على كل حال قد امتاز بجودة الوصف، ولاسيما النساء والفرس والصيد. كما امتاز بكثرة متشبيه المبكر فشبه النساء بالظباء والبيض وشبه الخيل بالعقبان والعصي إلى كثير من أمثال ذلك. وقل أن ترى له أبياتاً خلت من التشبيه. وكان لرحلاته الكثيرة إلى الشام واليمن وغيرهما أثر في سعة خياله وحسن تصويره واستعماله ألفاظاً جديدة، فشبه في معلقته إشراق محبوبته بسراج الراهب، وحسن تصويره، وشبه ترائبها (وهي موضع القلادة منها) بالسجنجل (وهي كلمة رومية معناها المرآة) ، وهكذا.
وأورث امرؤ القيس الأدب العربي أبياناً كثيرة يتمثل بها كقوله: (وحسبك من غنى شبع ورى) ، وقوله:
وقد طوفت في الآفاق حتى ... رضيت من الغنيمة بالإياب
وقوله:
بنو أسد قتلوا ربهم ... ألا كل شيء سواه الجلل
وقوله:
وإنك لم يفخر عليك كفاخر ... ضعيف ولم يغلبك مثل مغلب
وقوله:
كذلك جدى لا أصاحب صاحباً ... من الناس إلا خانني وتغيرا
وديوان امرئ القيس مشروح عدة شروح وطبع في باريس ومصر. وجمع أشعار امرئ القيس عدة من العلماء، وطبع ديوانه العلامة دي ستان في باريس سنة ١٨٢٨ مع ترجمة لاتينية. وجمع الأب لويس شيخو اليسوعي أهم أخبار وأشعار امرئ القيس من كتب عديدة وسردها في كتابه المعروف بشعراء النصرانية المطبوع في بيروت سنة ١٨٩٠.