٢ - الفخر: ولقد كان طرفة يشعر بحسب قومه ومجدهم بين العرب وكثرة عددهم وقوتهم وشوكتهم، ويعتز بذلك اعتزازاً كبيراً، وينظم شرف قومه في قصائده، فيمدحهم بحماية الجار، وقرى الضيف والغناء في الحرب وجلال المجلس ووقاره، ويسوي ذلك من مظاهر الفخر وألوانه.
(أ) قال في قومه من قصيدة في الفخر:
يزعون الجهل من مجلسهم ... وهم أنطارى ذي الحلم الصمد
سماء الفقر أجواد الغنى ... سادة الشيب، مخاريق المرد
(ب) وقصيدته:
أصحوت اليوم أم شاقتك هر ... ومن الحب جنون مستعمر
وقف على الفخر بقومه وأحسابهم ومجدهم.. وهي إحدى قصائده الجياد وأشاد بها ابن سلام وسواه من النقاد، بدأها بالنسيب والتغزل في محبوبته "هر" في أبيات طويلة، ثم ذكر الناقة في بيتين، ثم التفت إلى نفسه وقومه فافتخر ببأسهم وكرمهم وبطولتهم ومكانتهم بين العرب واعتزازهم بالخيل للحرب والنضال، فخراً قوياً كثيراً، جاء فيه قوله:
وهم ما هم إذا ما لبسوا ... نسج داود لبأس محتضر
ولقد تعلم بكر أننا ... آفة الجزر مساميح يسر
ولقد تعلم بكر أننا ... فاضلو الرأي وفي الروغ وقر
ثم ختمها بالرضاء على قومه وذكر ما آل إليه من رشد:
ولقد كنت عليكم عاتبا ... فعقبتم بذنوب غير مر
كنت فيكم كالمغطى رأسه ... فانجلى اليوم قناعي وخمر
سادراً أحسب غي رشداً ... فتناهيت وقد صابت بقر
ويبدو من هذه الأبيات أنه نظمها بعد عودته إثر تنقله بين الأحياء والبلاد، وأن قومه أعانوه بمالهم وعطفهم، وأنه رضي بعد سخط، واطمأن فيهم بعد قلق، ورشد بعد غي.
(ج) ويقول طرفة من قصيدة في الفخر؛ ختمها بحكمته:
إنا لنكسوهم وإن كرهوا ... ضربا يطير خلاله شرره
والمجد ننميه ونتلده ... والحمد في الاكفاح ندخره
(د) ويقول يفتخر بقومه وأبيه من قصيدة طويلة بدأها بالحديث عن نفسه وغربته وتنقله بين القبائل:
وأنمي إلى مجد تليد وسورة ... تكون تراثاً عند حي لهالك
أبي أنزل الجبار عامل رمحه ... عن السرج حتى خر بين السنابك
_هـ) ويفتخر بقومه وبطولتهم وما سجلوه في أمسهم البعيد من مجد تليد وبطولة نادرة في حروبهم يوم التحاليق، وهو يوم من أيام حرب البسوس وكان لبكر على تغلب، وذلك في قصيدة مطلعها:
سائلوا عنا الذي يعرفنا ... بقوانا يوم تحلاق اللمم
وهي وقف على الفخر ويقول فيها:
نزع الجاهل في مجلسنا ... فترى المجلس فينا كالحرم
وتفرعنا من ابني وائل ... هامة المجد وخرطوم الكرم
نمسك الخيل على مكروهها ... حين لا يمسك إلا ذو كرم
(و) ويفتخر بنفسه في قصيدته في مدح قتادة الحنفي وقد مضت الإشارة إليها، وكذلك قصيدته:
أشجاك الربع أم قدمه ... أم رماد دارس حممه
قد ذكر فيها شيئاً من تاريخ قومه إبان حرب البسوس، وسعى الغلاق" أحد قواد ملك الحيرة بين تغلب وقومه بكر من أجل الصلح، وكان الغلاق يميل إلى تغلب، وهدد طرفة فيها تغلباً بالعودة إلى الحرب باللسان وبالسيوف جميعاً، وعلى الجملة، فقد كان طرفة مجيداً في فخره، كما كان لاذعاً في هجائه.
٣ - الغزل: ويتغزل طرفة في شعره بخولة:
لخولة أطلال ببرقة ثهمد ... تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
وينسبها إلى قومها الحنظليين فيقول من قصيدة بدأها بذكر خوله:
فقل لخيال الحنظلية ينقلب ... إليها فإني واصل حبل من وصل
ويذكرها في معلقته بالمالكية ولعل ذلك نسبة إلى مالك بن ضبيعة من عمومة الشاعر. ويتغزل بهر "أصحوت اليوم أم شاقتك هر" كما يتغزل بهند "لهند بحزان الشديف طلول"، وبسلمى:
ديار سليمى إذ تصيدك بالمنى ... وإذ حبل سلمى منك دان تواصله
وهو في غزله يذكر الديار ويقف عليها ويبكيها كما في معلقته، ويذكر خيال الحبيب وسراه إليه، ويصف جمال حبيبته وتقاطيع جسمها كما في قصيدته "أصحوت اليوم"، ويدعو لدارها بالمطر كما في قصيدته "لخولة بالأجزاع من إضم طلل".
وله قصيدة مفردة في الغزل قصرها عليه، ومطلعها:
أتعرف رسم الدار قفراً منازله ... كجفن اليماني زخرف الوشي ماثله
وهي في محبوبته سليمى أو سلمى، بدأها بذكر ديارها، ثم قال: