وَقد عرفت بِمَا ذكر أَن للْعُلَمَاء فِي معنى الْمسند ثَلَاثَة أَقْوَال
القَوْل الأول قَول من قَالَ ن الْمسند لَا يَقع إِلَّا على مَا اتَّصل مَرْفُوعا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبِه جزم الْحَاكِم فِي كِتَابه فِي عُلُوم الحَدِيث وَلم يذكر فِيهِ غَيره وَحَكَاهُ الْحَافِظ ابْن عبد الْبر فِي كتاب التَّمْهِيد عَن قوم من أهل الحَدِيث
وَهَذَا القَوْل هُوَ الْمَشْهُور وَبِه يحصل الْفرق بَين الْمسند وَبَين الْمُتَّصِل وَالْمَرْفُوع وَذَلِكَ أَن الْمَرْفُوع نظر فِيهِ إِلَى حَال الْمَتْن مَعَ قطع النّظر عَن الْإِسْنَاد اتَّصل أم لم يتَّصل والمتصل نظر فِيهِ إِلَى حَال الْإِسْنَاد مَعَ قطع النّظر عَن الْمَتْن مَرْفُوعا كَانَ أم مَوْقُوفا والمسند نظر فِيهِ إِلَى الْأَمريْنِ وهما الرّفْع والاتصال فَيكون أخص من كل مِنْهُمَا فَكل مُسْند مَرْفُوع وكل مُسْتَند مُتَّصِل وَلَيْسَ كل مَرْفُوع مُسْندًا وَلَا كل مُتَّصِل مُسْندًا
القَوْل الثَّانِي قَول من قَالَ الْمسند هُوَ الَّذِي اتَّصل إِسْنَاده من رَاوِيه إِلَى منتهاه ذكره الْخَطِيب نقلا عَن جُمْهُور أهل الحَدِيث قَالَ ابْن الصّلاح وَأكْثر مَا يسْتَعْمل ذَلِك فِيمَا جَاءَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دون مَا جَاءَ عَن الصَّحَابَة وَغَيرهم
وعَلى ذَلِك يدْخل فِيهِ الْمَرْفُوع وَالْمَوْقُوف فَلَا يكون بَينه وَبَين الْمُتَّصِل فرق إِلَّا من جِهَة ان الْمُتَّصِل يسْتَعْمل فِي الْمَرْفُوع وَالْمَوْقُوف على حد سَوَاء بِخِلَاف الْمسند فَإِنَّهُ يسْتَعْمل فِي الْمَرْفُوع كثيرا وَفِي الْمَوْقُوف قَلِيلا غير أَن كَلَام الْخَطِيب يَقْتَضِي دُخُول الْمَقْطُوع فِيهِ وَهُوَ قَول التَّابِعين وَكَذَا قَول من بعد التَّابِعين وَكَلَام أهل الحَدِيث يأباه
القَوْل الثَّالِث قَول من قَالَ الْمسند مَا رفع إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة وَهُوَ قد يكون تصلا مثل مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد يكون مُنْقَطِعًا مثل مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن ابْن عَبَّاس عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهَذَا مُسْند لِأَنَّهُ قد أسْند إِلَى