قَلما يَخْلُو كتاب ألف فِي فن من الْفُنُون من ذكر مسَائِل لَيست من على سَبِيل الاستطراد وَقد اخْتلفت أَحْوَال المؤلفين فِيهِ فَمنهمْ من كَانَ يُؤثر الإقلال مِنْهُ وَمِنْهُم من كَانَ يرى الْإِكْثَار مِنْهُ وَمن المقلين مِنْهُ المؤلفون فِي أصُول الْأَثر لما أَن لَهُم فِيهِ عَمَّا سواهُ شغلا شاغلا
وَأما ترك بعض مبَاحث من الْفَنّ اعْتِمَادًا على أَنَّهَا قد ذكرت فِي فن آخر فَهُوَ قَلِيل وَقد وَقع ذَلِك لَهُم فَإِن أَكْثَرهم لم يذكر مَبْحَث التَّرْجِيح وَمن ذكره مِنْهُم اكْتفى ببيانه على طَرِيق الإيجاز بِحَيْثُ لَا يتَجَاوَز مَا كتب فِيهِ ورقتين مَعَ أَن مَبْحَث التَّرْجِيح مُهِمّ جدا لِأَنَّهُ الَّذِي يفزع إِلَيْهِ عِنْد اخْتِلَاف الرِّوَايَات مَعَ عدم إِمْكَان الْجمع بَينهَا
ووجوه التَّرْجِيح كَثِيرَة يصعب حصرها وَقد قسمهَا بَعضهم بَعضهم إِلَى سَبْعَة أَقسَام الْقسم الأول التَّرْجِيح بِحَال الرَّاوِي كَأَن يكون أَحدهمَا أَكثر ضبطا أَو اشد ورعا من الآخر فَإِنَّهُ يرجح عَلَيْهِ
الْقسم الثَّانِي التَّرْجِيح بالتحمل كَأَن يكون أَحدهمَا تحمل جَمِيع مَا يرويهِ بعد الْبلُوغ فَإِنَّهُ يرجح على الآخر الَّذِي تحمل بعض مَا يرويهِ قبل الْبلُوغ وَبَعضه بعده
الْقسم الثَّالِث التَّرْجِيح بكيفية الرِّوَايَة كَأَن يكون أَحدهمَا مِمَّن لَا يروي فيرجح الْمدنِي لدلالته على التَّأْخِير
الْقسم الْخَامِس التَّرْجِيح بِلَفْظ الْخَبَر كَأَن يكون أحد الْخَبَرَيْنِ فصيحا دون الآخر فَيقدم عَلَيْهِ لِأَن الفصيح أقرب إِلَى أَن يكون هُوَ الصَّحِيح وَكَأن يكون أحد الْخَبَرَيْنِ قد ورد بلغَة قُرَيْش دون الآخر فَإِن مَا ورد بلغَة قُرَيْش أشبه بِأَن يكون