فَقَالَ بل نَأْخُذ بالمبيح لقَوْله تَعَالَى {وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} وَلقَوْله تَعَالَى {يُرِيد الله بكم الْيُسْر وَلَا يُرِيد بكم الْعسر} وَلقَوْله تَعَالَى {يُرِيد الله أَن يُخَفف عَنْكُم وَخلق الْإِنْسَان ضَعِيفا} أما كَانَ يكون قَوْله أقوى من قَوْلكُم وَلَكنَّا لَا نقُول ذَلِك بل نقُول إِن كل أَمر من الله تَعَالَى لنا فَهُوَ يسر وَهُوَ رفع الْحَرج وَهُوَ التَّخْفِيف وَلَا يسر وَلَا تَخْفيف وَلَا رفع حرج أعظم من شَيْء أدّى إِلَى الْجنَّة ونجى من جَهَنَّم سَوَاء كَانَ حظرا أَو إِبَاحَة
وَقَالَ فِي فصل آخر وَقد أجَاز بعض أَصْحَابنَا أَن يرد حَدِيث صَحِيح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيكون الْإِجْمَاع على خِلَافه قَالَ دَلِيل على أَنه مَنْسُوخ
قَالَ عَليّ وَهَذَا عندنَا خطأ فَاحش مُتَيَقن لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَو وُرُود حَدِيث صَحِيح يكون الْإِجْمَاع على خِلَافه مَعْدُوم لم يكن قطّ فَمن ادّعى أَنه مَوْجُود فليذكره لنا وَلَا سَبِيل لَهُ إِلَى وجوده أبدا وَالثَّانِي أَن الله تَعَالَى قَالَ {إِنَّا نَحن نزلنَا الذّكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون} فَمَا تكفل الله عز وَجل بِهِ فَهُوَ غير ضائع أبدا وَالْوَحي ذكر وَالذكر مَحْفُوظ بِالنَّصِّ فَكَلَامه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَحْفُوظ بِحِفْظ الله عز وَجل فَلَو كَانَ الحَدِيث الَّذِي ادّعى هَذَا الْقَائِل أَنه مجمع على تَركه وَأَنه مَنْسُوخ كَمَا ذكر لَكَانَ ناسخه الَّذِي اتَّفقُوا عَلَيْهِ قد ضَاعَ وَلم يحفظ
قد عرفت فِيمَا سبق أَن الْحَدِيثين إِذا لَاحَ بَينهمَا التَّعَارُض ابتدئ أَولا بِالْجمعِ بَينهمَا فَإِن لم يُمكن ذَلِك نظر هَل هما مِمَّا يُمكن وُقُوع النّسخ فِيهِ أم لَا فَإِن كَانَا مِمَّا يُمكن وُقُوع النّسخ فه بحث عَن الْمُتَأَخر مِنْهُمَا فَإِن وقف عَلَيْهِ جعل نَاسِخا وَأخذ بِهِ