أَقُول قد عرفت من الْعبارَات الْوَارِدَة فِي هَذَا النَّوْع مَا أَرَادَ الْحَاكِم بمذاهب الْمُحدثين هُنَا وَقد سُئِلَ بعض البارعين فِي علم الْأَثر عَن مَذَاهِب الْمُحدثين مرَادا بذلك الْمَعْنى الْمَشْهُور عِنْد الْجُمْهُور فَأجَاب عَمَّا سُئِلَ عَنهُ بِجَوَاب يُوضح حَقِيقَة الْحَال وغن كَانَ فِيهِ نوع إِجْمَال وَقد أحبننا إِيرَاده هُنَا مَعَ اخْتِصَار مَا
قَالَ أما البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد فإمامان فِي الْفِقْه وَكَانَا من أهل الِاجْتِهَاد
وَأما مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن خُزَيْمَة وَأَبُو يعلى وَالْبَزَّار وَنَحْوهم فهم على مَذْهَب أهل الحَدِيث لَيْسُوا مقلدين لوَاحِد بِعَيْنِه من الْعلمَاء وَلَا هم من الْأَئِمَّة الْمُجْتَهدين على الْإِطْلَاق بل يميلون إِلَى قَول أَئِمَّة الحَدِيث كالشافعي وَأحمد وَإِسْحَاق وَأبي عبيد وأمثالهم وهم إِلَى مَذَاهِب أهل الْحجاز أميل مِنْهُم إِلَى مَذَاهِب أهل الْعرَاق
وَأما أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فأقدم من هَؤُلَاءِ كلهم من طبقَة يحيى بن سعيد الْقطَّان وَيزِيد بن هَارُون الوَاسِطِيّ وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي وأمثال هَؤُلَاءِ من طبقَة شُيُوخ الإِمَام أَحْمد وَهَؤُلَاء كلهم لَا يألون جهدا فِي اتِّبَاع السّنة غير أَن مِنْهُم من يمِيل إِلَى مَذْهَب الْعِرَاقِيّين كوكيع وَيحيى بن سعيد وَمِنْهُم من يمِيل إِلَى مَذْهَب الْمَدَنِيين كَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي
وَأما الدَّارَقُطْنِيّ فَإِنَّهُ كَانَ يمِيل إِلَى مَذْهَب الشَّافِعِي إِلَّا أَنه لَهُ اجْتِهَاد وَكَانَ من أَئِمَّة السّنة والْحَدِيث وَلم يكن حَاله كَحال أحد من كبار الْمُحدثين مِمَّن جَاءَ على أَثَره فالتزم التَّقْلِيد فِي عَامَّة الْأَقْوَال إِلَّا فِي قَلِيل مِنْهَا مِمَّا يعد ويحصر فَإِن الدَّارَقُطْنِيّ كَانَ أقوى فِي الِاجْتِهَاد مِنْهُ وَكَانَ أفقه وَأعلم مِنْهُ