للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مَعَ التعسف لَا يكون إِلَّا بِحمْل الْحَدِيثين المتعارضين مَعًا أَو أَحدهمَا على وَجه لَا يُوَافق مَنْهَج الفصحاء فضلا عَن مَنْهَج البلغاء فِي كَلَامهم فَكيف يُمكن حِينَئِذٍ نِسْبَة ذَلِك إِلَى أفْصح الْخلق على الْإِطْلَاق وَلذَلِك جعلُوا هَذَا فِي حكم مَا لَا يُمكن فِيهِ الْجمع وَقد ترك بَعضهم ذكر هَذَا الْقَيْد اعْتِمَادًا على كَونه مِمَّا لَا يخفى

وَقد أنكر كثير من الْمُحَقِّقين كل تَأْوِيل بعيد وَإِن لم يتَبَيَّن فِيهِ التعسف حَتَّى توقفوا فِي كثير من الْأَخْبَار الَّتِي رَوَاهَا الثِّقَات لأمر دعاهم إِلَى ذَلِك مَعَ انهم لَو أولوها كَمَا فعل غَيرهم لزال سَبَب التَّوَقُّف وَلَكِن لما رَأَوْا التَّأْوِيل فِيهَا لَا يَخْلُو عَن بعد لم يلتفتوا إِلَيْهِ وَمِنْهُم الْعَلامَة تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية فَإِنَّهُ مَعَ كَونه كَابْن حزم فِي شدَّة الْميل إِلَى التَّمَسُّك بالآثار مَتى لاحت عَلَيْهَا أَمارَة من أمارت الصِّحَّة

حكم بغلط الرَّاوِي فِي رِوَايَة وَأَنه ينشئ للنار خلقا وَذَلِكَ فِي حَدِيث تخاصم الْجنَّة وَالنَّار إِلَى ربهما الْمَذْكُور فِي البُخَارِيّ فِي بَاب إِن رَحْمَة الله قريب من الْمُحْسِنِينَ وَقَالَ إِن الصَّوَاب فِي ذَلِك مَا رَوَاهُ فِي مَوضِع آخر وَهُوَ وَأما الْجنَّة فينشئ الله لَهَا خلقا غير أَن الرَّاوِي سبق لِسَانه إِلَى النَّار عوضا عَن الْجنَّة

مَعَ أَن كثيرا من الْعلمَاء ذَهَبُوا إِلَى تَأْوِيله مَعَ معارضته فِي الظَّاهِر لقَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَلَا يظلم رَبك أحدا} وَذَلِكَ للتخلص من نِسْبَة الْغَلَط إِلَى الرَّاوِي فَقَالَ بَعضهم المُرَاد بالخلق مَا يكون من غير ذَوي الْأَرْوَاح وَذَلِكَ كأحجار تلقي فِي النَّار وَذَلِكَ لِئَلَّا يلْزم أَن يعذب أحد بِغَيْر ذَنْب وَقَالَ بَعضهم لَا مَانع أَن يكون المنشأ للنار من ذَوي الْأَرْوَاح غير أَنهم لَا يُعَذبُونَ بهَا وَذَلِكَ كَمَا فِي خزنتها من الْمَلَائِكَة وَثمّ تأويلات أُخْرَى لَا يَلِيق ذكرهَا إِلَّا بِمن لَا يعرف قدر القَوْل الْفَصْل

وَحكم بوهم الرَّاوِي فِي زِيَادَة وَلَا يرقون وَفِي الحَدِيث الَّذِي ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ فِي وصف السّبْعين ألفا الَّذين يدْخلُونَ الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب إِنَّهُم لَا يَكْتَوُونَ وَلَا يسْتَرقونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وعَلى

<<  <  ج: ص:  >  >>